أنّ الحسن كان يقول ـ إذا رأى غيلان في الموسم ـ : أترون هذا ، هو حجّة الله على أهل الشام ، ولكنّ الفتى مقتول ، وكان وحيد دهره في العلم والزهد والدعاء إلى الله وتوحيده وعدله ، قتله هشام بن عبد الملك وقتل صاحبه. وسبب قتله أنّ غيلان كتب إلى عمر بن عبد العزيز كتاباً يحذِّره فيه من انطفاء السنّة وظهور البدعة (١). فلمّا وصلت الرسالة إلى عمر بن عبد العزيز دعاه وقال : أعنّي على ما أنا فيه. فقال غيلان : ولّني بيع الخزائن وردّ المظالم فولاّه فكان يبيعها وينادي عليها ويقول : تعالوا إلى متاع الخونة ، تعالوا إلى متاع الظّلمة ، تعالوا إلى متاع من خلَف الرسول في أمّته بغير سنّته وسيرته ، وكان فيما نادي عليه جوارب خزّ فبلغ ثلاثين ألف درهم ، وقد أتكل بعضها. فقال غيلان : من يعذرني ممّن يزعم أنّ هؤلاء كانوا أئّمة هدى وهكذا يأتكل والناس يموتون من الجوع. فمرّ به هشام بن عبد الملك قال : أرى هذا يعيبني ويعيب آبائي وإن ظفرت به لاُقطّعنّ يديه ورجليه فلمّا ولى هشام قتله على النّحو الّذي وعده » (٢).
وما ذكرناه من النُّصوص يوقفنا على اُمور :
١ ـ إنّ القول بكون الإنسان مخيّراً لا مسيّراً يتّصل جذورها بالبيت الهاشمي. فقد عرفت أنّ معبداً الجهني كان تلميذاً لابن عبّاس ، وغيلان الدمشقي تتلمذ للحسن بن محمّد بن الحنفيّة. فما ذكره المقريزي من أنّه أخذ ذلك الرأي من أبي يونس سنسويه لا يركن إليه ، بعد ثبوت تتلمذهما لقادة الفكر من البيت الهاشمي ، ولعمران بن حصين الصحابي الجليل ومن أعلام أصحاب علي عليهالسلام.
٢ ـ إنّ نضال الرّجلين في العهد الأموي كان ضدّ ولاة الجور الّذين كانوا يسفكون الدماء وينسبونه إلى قضاء الله وقدره ، فهؤلاء الأحرار قاموا في وجههم وأنكروا القدر بالمعنى الّذي استغلّته السلطة وبرّرت به أعمالها الشنيعة ، وإلاّ فمن البعيد جدّاً من مسلم واع أن ينكر القضاء والقدر الواردين في الكتاب والسنّة على وجه لا يسلب الحريّة من الإنسان ولا يجعله مكتوف الأيدي.
__________________
١ ـ ستوافيك رسالته فانتظر.
٢ ـ المنية والأمل : ص ٢٦.