أحد رجّاز ذلك الزمان معبّراً عن تلك العقيدة :
يا أيهّا المضمِر همّاً لا تهَُم |
|
إنّك إن تُقْدَر لك الحمّى تُحَم |
ولو علوت شاهقاً من العلم |
|
كيف توقِّيك وقد جفّ القلم (١) |
فإذا كان الرأي العام عند المسلمين هذا ، فعلى العالم أن يظهر علمه. فلأجل ذلك نرى أنّ معبداً الجهني وغيلان الدمشقي والقاضي عطاء بن يسار وغيرهم كعمر المقصوص ( م / ٨٠ ) الّذي ظهر بدمشق وكان اُستاذاً للخليفة معاوية بن يزيد بن معاوية وقتله الأمويّون بتهمة إفساد الخليفة (٢) انتفضوا ضدّ هذه الفكرة الفاسدة فلقوا ما لقوا من القتل والتنكيل ، وقد أدّوا رسالتهم.
ولو أنّ علماء الإسلام في السنّة والجماعة قاموا بواجبهم في تلك الحقبة التأريخيّة وما هابوا السلطة ، لما ظهرت الحركات الرجعيّة بين الاُمّة الإسلاميّة في أوائل القرن الثاني ، الّتي كانت تدعو إلى الجاهليّة الاُولى ، ولأجل إيقاف القارئ على هذه الحركات ومبادئها سنعرض عليه بعض الحركات الرجعية الّتي ظهرت في القرن الثاني والثالث بعد إكمال البحث في المقام فانتظر.
الرسالة الّتي بعث بها غيلان إلى عمر بن عبدالعزيز توقفنا :
أوّلاً : على مكانته من الصمود في وجه المخالفين ، ومّما جاء في تلك الرسالة : « أبصرت يا عمر ..... وماكدت أعلم يا عمر ، أنّك أدركت من الإسلام خلقاً بالياً ، ورسماً عافياً ، فيا ميّت بين الأموات ، لا ترى أثراً فتتبع ، ولا تسمع صوتاً فتنتفع ، طفئ أمر السنّة ، وظهرت البدعة ، اُخيف العالم فلا يتكلّم ، ولا يعطى الجاهل فيسأل ، وربّما نجحت الاُمة بالإمام ، وربّما هلكت بالإمام ، فانظر أيّ الإمامين أنت ، فإنّه تعالى يقول :
__________________
١ ـ تأويل مختلف الحديث : ص ٢٨ ط بيروت دار الجيل.
٢ ـ مختصر الدول لابن العبري : ص ١٥١. لاحظ كتاب المعتزلة ص ٩١.