الأوزاعي : أمّا الأوّل فإنّ الله تعالى قضى على ما نهى ، نهى آدم عن الأكل من الشجرة ثمّ قضى عليه بأكلها. أمّا الثاني فإنّ الله تعالى حال دون ما أمر ، أمرإبليس بالسجود لآدم ثمّ حال بينه وبين السجود ، وأمّا الثالث ، فإنّ الله تعالى أعان على ما حرّم ، حرّم الميتة والدم ولحم الخنزير ، ثمّ أعان عليها بالاضطرار ... (١).
يلاحظ على هذه المناظرة :
أوّلاً : أنّ الجهل بهذه الأسئلة الثلاثة لوكان مبرّراً لضرب العنق ، فهشام بن عبدالملك خليفة الزمان أولى بهذا ، لأنّه كان أيضاً جاهلاً بها بدليل استفساره عنها من الأوزاعي. فلماذا لا تضرب عنقه أيضاً؟ وهذا يعرب عن أنّ الحكم بالإعدام كان صادراً قبل المناظرة ، وإنّما كانت المناظرة بين يدي الأوزاعي تبريراً للإعدام حتّى لا يقال إنّ الحكم صدر إعتباطاً.
ثانياً : ما سأله الأوزاعي عنه ثمّ أجاب عنه ، يدل على أنّه كان يمشي على خطّ الجبر ، وأنّه كان معتقداً بأنّ قضاء الله يسلب عن الإنسان الحريّة والإختيار. فكان أكل آدم من الشجرة بقضاء من الله وما كان له محيص عن الأكل ، كما أنّ تخلّف إبليس عن السجود كان بقضاء الله ولم يكن له مفرّ عن المعصية. وقد حال سبحانه بينه وبين السجود على آدم ، ومن المعلوم أنّ غيلان الدمشقي وكلّ موحّد يعتقد بصحّة بعث الرّسل وصحّة التكليف ... لا يراه صحيحاً.
ثالثاً : إنّ المناظرة لم تكن مبنيّة على اُصولها. فإنّ من أدب المناظرة أن يطرح السؤال أو الإشكال على وجه واضح ، حتى يتدبّر الآخر فيما يرتئيه المناظر من الجواب ، وأمّا الأسئلة الّتي طرحها الفقيه الأوزاعي فإنّها أشبه بالأحاجى واللّغز، لا يستفاد منها إلاّ في مواضع خاصّة لاختبار ذكاء الإنسان ، ولم يكن المقام إلاّ مقام السيف والدم لا الإختبار للذكاء.
__________________
١ ـ تاريخ المذاهب الاسلاميّة ج ١ ص ١٢٧ ـ ١٢٨ نقلاً عن العقد الفريد وشرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون.