إلى غيرهم من الشعراء والاُدباء الّذين يمدحون الطغاة بشعرهم لابشعورهم ونثرهم لا بعقولهم.
ثانياً : إنّ المتبادر من قوله « أو يعذّب على ما قضى ... الخ » إنمّا هو انكار القضاء الدارج في ألسن الأمويين من غلّ الأيدي وجعل الإنسان كالريشة في مهبّ الريح ، وأمّا القضاء بمعنى العلم الأزلي بالأشياء والحوادث فلم يعرف إنكاره له.
و من العجب « وما عشت أراك الدهر عجباً » أنّ هشام بن عبدالملك قبض على غيلان الدمشقي فقال له : قد كثر كلام الناس فيك ، فبعث إلى الأوزاعي ، فلمّا حضر قال له هشام : يا أبا عمر ناظر لنا هذا القدري ، فقال الأوزاعي مخاطباً غيلان : اختر إن شئت ثلاث كلمات وإن شئت أربع كلمات وإن شئت واحدة. فقال غيلان : بل ثلاث كلمات.
فقال الأوزاعي : أخبرني عن الله عزّ وجلّ هل قضى على مانهى؟
فقال غيلان : ليس عندي في هذا شيء.
فقال الأوزاعي : هذه واحدة. ثمّ قال : أخبرني عن الله عزّ وجلّ أحال دون ماأمر؟
فقال غيلان : هذه أشدّ من الاُولى ، ما عندي في هذا شيء.
فقال الأوزاعي : هذه اثنتان يا أمير الموٌمنين ثمّ قال : أخبرني عن الله عزّ وجلّ هل أعان على ما حرّم؟
فقال غيلان : هذه أشدّ من الاُولى والثانية ، ما عندي في هذا شيء.
فقال الأوزاعي : هذه ثلاث كلمات. فأمر هشام فضربت عنقه (١).
ثمّ إنّ هشاماً طلب من الأوزاعيّ أن يفسّر له هذه الكلمات الثلاث. فقال
____________
١ ـ لا تنس أن هشاماً قد يمّم قتله قبل القاء القبض عليه وقبل هذه المناظرة المسرحيّة.