كان هذا مذهبه ، يستبعد أن ينسب ما في الرسالة إلى الحسن البصري ـ ذلك الإمام المقدّم عند أهل السنّة ـ.
وأمّا على المذهب الحقّ من أنّ الفاعل الحقيقي لأفعال الإنسان هو نفسه ، لا على وجه التفويض من الله إليه ، بل بقدرة مفاضة منه إليه في كلّ حين ، واختيار كُوِّنت ذاته به ، وحريّة فطرت بها فالفعل فعل الإنسان ، وفي الوقت نفسه فعل الله تسبيباً ، بل أدقّ وأرقّ منه كما حقّق في محلّه.
وأخيراً نلفت نظر القارئ إلى ما كتبه كافي الكفاة الصاحب إسماعيل بن عبّاد ( ت : ٣٢٦ ـ م ـ ٣٨٥ ) في الردّ على القدريّة أسماها « الابانة عن مذهب أهل العدل بحجج القرآن والعقل ».
وبما أنّ هذه الرّسالة طريفة في بابها نأتي بنصّ ما يخصّ بردّ القدريّة ، ويريد من هذه اللّفظة القائلين بالقدر على وجه يستلزم الجبر وإليك نصّها :
زعمت المجبّرة القدريّة : أنّ الله يريد الظلم والفساد ، ويحبُّ الكفر والعدوان ، ويشاء أن يشرك به ولا يعبد ، ويرضى أن يجحد ويسبّ ويشتم ، وقالت العدليّة : بل الله لا يرضى إلاّ الصّلاح ولا يريد إلاّ الاستقامة والسّداد ، وكيف يريد الفساد وقد نهى عنه وتوعّد ، وكيف لا يريد الصّلاح وقد أمر به ودعا إليه ، ولو لم يفعل العباد إلاّ ما أراد الله تعالى لكان كلّهم مطيعاً لله تعالى ، فإن كان الكافر قد فعل ما أراد منه مولاه فليس بعاص، وأطوع ما يكون العبد لمولاه إذا فعل ما يريده ، وأيضاً فليس بحكيم من أراد أن يشتم ، ولم يرد أن يعظّم ، ورضى أن تجحد نعمه ، وأحبّ أن لا تشكر مننه ، قال الله تعالى : ( وَمَا اللّهُ يُريدُ ظُلماً لِلْعِبادِ ) (١) وقال تعالى : (ولا يَرضى لِعبَادِهِ الكُفْرَ ) (٢)
__________________
١ ـ المؤمن / ٣١.
٢ ـ الزمر / ٩.