أضف إلى ذلك أنّه سبحانه وصف الجنّه بأنّها عنده وقال : ( مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللّهِ بَاق ) ( النحل / ٩٦ ) فالجنّة باقية غير فانية ، ولا يفترق عنها الجحيم ونارها.
وأمّا الإشكال الثاني فالجواب عنه في مورد الجنّة أوضح من الآخر ، لأنّه يذكر فيها قوله ( عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ ) الظّاهر في دوام النعمة وعدم تحقّق المشيئة.
توضيح ذلك أنّه سبحانه يقول في مورد أهل النار :
( فَأَمّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمواتُ وَالأَرْضُ إلاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِمَا يُريدُ ) ( هود ١٠٦ ـ ١٠٧ ).
ويقول في أهل الجنّة :
( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمواتُ وَالأرْضُ إلاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ ) ( هود / ١٠٨ ).
ترى أنّه سبحانه يذيّل المشيئة في آية الجنّة بقوله : ( عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ ) (١) الدالّ على عدم انقطاع النعمة ، وأنّ تلك المشيئة أي مشيئة الخروج لا تتحقّق.
وعلى كلّ تقدير ، فالجواب عن الاستثناء في الآيتين هو أنّ الاستثناء مسوق لاثبات قدرة الله المطلقة ، وأنّ قدرة الله سبحانه لا تنقطع عنهم بإدخالهم الجنّة والنار ، وملكه لا يزول ولا يبطل ، وأنّ قدرته على الاخراج باقية ، فله تعالى أن يخرجهم من الجنّة وإن وعد لهم البقاء فيها دائماً ، لكنّة سبحانه لا يخرجهم لمكان وعده ، والله لا يخلف الميعاد.
نعم قوله سبحانه في آية النّار ( إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِمَا يُريدُ ) يشير إلى تحقّق المشيئة في جانب النار كما في المسلمين العصاة دون المشركين والكفار.
لمّا كان نفي الصفات عن الله ، والقول بخلق القرآن ونفي الروٌية ، ممّا نسب إلى
__________________
١ ـ مقالات الاسلاميين : ج ٢ ص ٤٩٤، والفرق بين الفرق ص ٢١١.