( مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيء ) ( الأنعام / ٣٨ ) ولو كان ثمّة موضع للرأي لكان الكتاب قد فرّط في شيء ، وقوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الرَّسُولَ واُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيء فَرُدُّوه إلى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ) ( النساء / ٥٩ ) (١).
يلاحظ عليه : أنّ الاستدلال بهاتين الآيتين يعرب عن كون ابن حزم فقيهاً ظاهريّاً بحتاً ، ينظر إلى الظّواهر بحرفيّتها ولا يتأمّل حتّى في القرائن الموجودة في نفس الآيات.
أمّا الآية الاُولى; فالمراد من الكتاب فيها ، هو صحيفة الكون لقوله سبحانه في صدرها : ( وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الأرْضِ وَلا طَائِر يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إلاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْء ثُم ... ) ( الأنعام / ٣٨ ). لأنّ التفريط في المقام بمعنى التضييع والتقصير ، والمعنى أنّ الدوابّ والطيور لمّا كانت أُمماً أمثال الإنسان ، فما قصّر سبحانه في حقّهم من إعطاء الكمال بمقدار ما لها من اللّياقة والشأن.
وأقصى ما يمكن أن يقال : إنّ المراد منه ، هو اللّوح المحفوظ الّذي يسمّيه سبحانه في موارد من كلامه كتاباً مكتوباً فيه كلّ شيء ، وأمّا تفسيره بالقرآن فضعيف لا يركن إليه بعد ملاحظة جمل الآية.
وأمّا الآية الثانية; فهي راجعة إلى القضاء في المنازعات والمرافعات فالمرجع هو الله سبحانه ورسوله ، ولا صلة للآية بحصر المصادر في الكتاب والسنّة.
ولأجل ذلك لم يذكر فيه الإجماع الّذي هو حجّة عند ابن حزم ومؤٌسّس منهجه ، وما هذا إلاّ أنّ الآية وردت في مجال القضاء في المرافعات ، دون الافتاء في الأحكام الكلّية.
توضيح ذلك : أنّ القضاء في المنازعات يشترك مع الاجتهاد في الأحكام الشرعيّة في أنّ كلاّ ً من القاضي والمجتهد يسعى لكسح الجهل ورفع الشبهة ، غير أنّ الشّبهة في
____________
١. تاريخ المذاهب الاسلاميّة : ج ٢ ص ٣٨٨.