وروي أنّه كان في التفضيل بمذهب الشيخين (١) في التوقف ، ثمّ رجع في آخر عمره إلى تفضيل أمير المؤمنين عليهالسلام وهو المذكور في كتبه.
وكان الصاحب يقول فيه مرّة : هو أفضل أهل الأرض ، واُخرى : هو أعلم أهل الأرض (٢).
يظهر من ترجمة حياته أنّ كتابه الكبير « المغني » الّذي يقع في عشرين جزءاً ممّا أملاه على تلاميذه ولم يكتبه ببنانه. يقول الحاكم : كان رحمهالله يختصر في الاملاء ويبسط في الدرس على ضدّ ما كان يفعله الشيخ أبو عبدالله (٣) فكان من حسن طريقته ترك الناس كتب من تقدّم. ولما فرغ من كتاب « المغني » بعث به إلى ( الصاحب ) فكتب ( الصاحب ) إليه كتاباً هذه صورته :
بسم الله الرّحمن الرّحيم
أتمّ الله على قاضي القضاة نعمته ، وأجزل لديه منّته ، لقد أتمّ من كتاب « المغني » ذخيرة للموحّد ، وشجى للملحد ، وعتاداً للحق ، وسداداً للباطل ، وإنّه كتاب تفخر به شرعتنا على الشرع ، ونحلتنا على النحل ، واُمّتنا على الاُمم وملّتنا على الملل ، وفّقه الله له حين نامت الخواطر وكلّت الأوهام وظنّ الظانّون بالله أنّ العلم قد قبض ونخاعه قد ضعف ، وأنّ شيوخه الأعلون ( كذا ) قد شالت نعامتهم وخفّت بضاعتهم ، ووهن كاهلهم ، ودرج أفاضلهم ، ولم يدروا أنّ في سرّ الغيب إن كان آخراً بالاضافة إليهم ، إنّه الأوّل بالامامة عليهم ، كذلك يفعل الله ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون. فليقرّ قاضي القضاة ـ أدام الله تمكينه ـ عيناً بما قدّم لنفسه وأخّر واكتسب لغده وذخر ،
__________________
١ ـ هما الجبائيان أبو علي وأبو هاشم.
٢ ـ مقدّمة فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة : ص ١٣١.
٣ ـ هو الشيخ أبو عبدالله الحسين بن علي البصري من الطبقة العاشرة.