المبادىء الموجودة في الفاعل الحكيم ، فالمتّصف بكلّ الكمال ، والمبرّأ عن كلّ سوء ، لايصدر منه إلاّ الحسن لوجود الصارف عن غيره ، ويمتنع صدور غيره عنه ، وليس هذا الامتناع امتناعاً ذاتيّاً بمعنى تحديد قدرته ومشيئته ، بل قدرته ومشيئته مطلقتان بالذّات غير محدودتين ، فهو سبحانه قادر على كلا القسمين من الفعل أعني الحسن والقبح ، لكن بالنّظر إلى أنّه عالم واقف على قبح الأفعال ، وغنىُّ عن فعل القبح ، يترك القبيح ولا يفعله ، واللّه الحكيم كتب على نفسه أن لا يخلّ بالحسن ولا يفعل القبيح ، وليس دور العقل إلاّ دور الكشف والتبيين ، والتعبير بالإيجاب بملاك الوقوف على المبادئ الكماليّة الموجودة في المبدأ كقولك : يجب أن تكون زوايا المثلّث متساوية مع زاويتين قائمتين ، فإنّ الخصوصيّة التكوينيّة الكامنة فيه مبدأ ذلك الإيجاب ، والعقل كاشفه ، ومع ذلك ربّما يعبّر عن ذلك بالإيجاب.
٤ ـ اختار الماتريدي قصور العقل عن تعيين كيفيّة الثواب وكونه بالجنّة ، وكيفيّة العقاب وكونه بالنار وهو الحق ، فإنّ أقصى ما يستقلّ به العقل هو لزوم مثوبة المطيع ومجازاة العاصي ، وأمّا الكيفيّة فلا يستقلّ العقل بشيء منها ( على فرض كون الثّواب بالاستحقاق ). نعم ما ذكره من أنّه ليس للّه العفو عن الكفر عقلاً ، فالظّاهر أنّه تحديد رحمته وقد سبقت غضبه ، والتّعذيب حقُّ له ، وله الإعمال وله العفو كعصيان المؤمن الفاسق. نعم أخبر المولى سبحانه بأنّه لا يغفر الشرك ، ويغفر ما دون ذلك.
ذهب الأشعري إلى جواز التكليف بما لايطاق وقال : « والدليل على جواز تكليف ما لا يطاق من القرآن قوله تعالى للملائكة : ( أَنْبِؤُني بِأسْماءِ هؤلاءِ ) ( البقرة / ٣١ ) يعني أسماء الخلق ، وهم لا يعلمون ذلك ولا يقدرون عليه .... إلى غير ذلك من الآيات الّتي عرفت مفادها في محلّها (١).
____________
١ ـ لاحظ الجزء الثاني من هذا الكتاب : ١٨٥.