وإليه الاستناد في تأويل المتشابهات بالمحكمات وتعيين الظهور التصديقي.
ولأجل إيقاف القارئ على نماذج من التأويلين نأتي بمثالين :
١ ـ قول سبحانه : ( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ اسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ العَالِينَ ) ( ص / ٧٥ ).
ترى أنّ القاضي يبادر إلى تأويل الآية بأنّ اليد هنا بمعنى القوّة (١).
يلاحظ عليه : أنّ اليد وإن كانت تستعمل في القوّة والنعمة ، قال سبحانه ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُد ذَا الأيدِ إِنَّهُ أَوّاب ) ( ص / ١٧ ) فإنّ اليد في هذه الآية مردّدة ابتداء بين النعمة والقوّة والعضو المخصوص، إلاّ أنّ القرينة في الآيات تدلُّ على أنّها كناية عن النعمة أو القوّة ، والقرينة عليه ورودها في قصّة داود المشهورة في القرآن. فقد كان ذا نعمة وقوّة ، أشار إليهما سبحانه في تلك ا لسورة وقال : ( إنّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ مَعَه ... ) ( ص / ١٩ ـ ٢٩ ) وهذه الآيات قرينة على أنّ اليد إنّما كنّى بها عن النّعمة والقوّة. إلاّ أنّ الآية السابقة تفارق هذه الآية وليس مثلها وذلك لأجل أمرين :
أوّلاً : إنّ من المعلوم أنّ الخالق لا يخلق شيئاً إلاّ عن قوّة ، فلا معنى لذكرها إلاّ أن تكون هنا نكتة ، مثل دفع توهّم العجز في المتكلّم وليس المقام كذلك كما سيأتي في قوله سبحانه ( وَالسَّماءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْد ).
وثانياً : أنّه لو كان المراد منها هو القوّة ، فما هو وجه التثنية؟
فلأجل ذلك كان اللاّزم على القاضي وأمثاله ، الامعان في الآية حتّى يقفوا على الظهور التصديقي ، ليستغنوا به عن مخالفة العقل. فنقول :
إنّ اليد في الآية استعملت في العضو المخصوص، ولكنّها كنّى بها عن الاهتمام بخلقة آدم حتّى يتسنّى بذلك ذمّ إبليس على ترك السجود لآدم. فقوله سبحانه : ( مَامَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) كناية عن أنّ آدم لم يكن مخلوقاً لغيري حتّى
__________________
١ ـ شرح الاصول الخمسة : ص ٢٢٨.