الاختلاف في تمييز المراد الجدّي عن الصّوري ، والظاهر التصديقي عن الظاهر الحرفي. فالمشبِّهة والأشاعرة مصّرون على الأخذ بالأوّل مع أنّ سيرة العقلاء العارفين بالكلام وأساليب البلاغة على الثاني. وعند ذلك لا تجد أيّ مخالفة بين العقل والنّقل الصحيح كالقرآن الكريم. وأمّا الروايات فأكثرها إسرائيليات دسّت في الأحاديث الإسلاميّة من طريق الأحبار والرهبان ونقلها السذّج من أصحاب الحديث زاعمين أنّها حقائق راهنة يلزم الأخذ بها ، وقد استوفينا الكلام فيها عند البحث عن عقائد أهل الحديث.
ج ـ نفي الرؤية الحسية
هذه هي النقطة الثالثة الّتي تركز عليها المعتزلة عند البحث عن التوحيد ، وقد عرفت أنّ التوحيد رمز للتنزيه ، أي تنزيهه سبحانه عن الجسم والجسمانيّات وأحكامها. وقد شغلت هذه المسألة بال المفسِّرين والمتكلِّمين وقد بحث عنها القاضي في كتابيه « شرح الاُصول الخمسة » ، و « المغني » على وجه البسط.
يقول القاضي : « وممّا يجب نفيه عن الله تعالى الرؤية ، وهذه مسألة خلاف بين الناس ، وفي الحقيقة الخلاف في هذه المسألة إنّما يتحقّق بيننا وبين هؤلاء الأشاعرة الّذين لا يكيّفون الرؤية. وأمّا المجسّمة فهم يسلِّمون أنّ الله تعالى لو لم يكن جسماً لم صحّ أن يرى ، ونحن نسلِّم لهم أنّ الله تعالى لو كان جسماً لصحّ أن يرى والكلام معهم في هذه المسألة لغو ».
وبما أنّا استوفينا دراسة أدلّة المجوّزين للرؤية في الجزء الثاني ، فلنكتف في المقام بدراسة أدلّة النافين على وجه الإجمال. فنقول :
استدلّت المعتزلة على نفي الرؤية بالأدلّة العقليّة والسّمعية. أمّا العقلية ، فهي ما أثبتها الحسّ والعلوم الطبيعية من أنّ الرائي بالحاسّة لا يرى الشيء إلاّ إذا كان مقابلاً أو حاّلاً في المقابل أو في حكم المقابل. وقد ثبت أنّ الله تعالى لا يجوز أن يكون كذلك ، لأنّ المقابلة من أحكام الأجسام والأعراض وهو سبحانه فوق الممكنات والمادّيات.