المسألة الاُولى :
قدرته سبحانه على القبيح
قد عرفت أنّ القاضي قد رتّب على القول بالعدل عدّة مسائل ، ولأجل التعرّف على منهج الاعتزال نطرح هذه المسائل مكتفين على ما جاء به القاضي في ( شرح الاُصول الخمسة ) فهو رائدنا في هذه المباحث ، ومن أراد التبسّط فعليه المراجعة بكتابه الآخر : « المغني » وقد طبع منه أربعة عشر جزءاً ، وعلى كلّ حال فكتب القاضي هي الممثّلة لرأي المعتزلة في أعصارهم. والمسألة الاُولى في قدرته سبحانه على القبيح وإنّما عنونها في هذا الفصل لأدنى مناسبة ، مع أنّ عنوانها في عموم القدرة أولى من عنوانها في مسألة التّحسين والتّقبيح ، والمخالف فيها عدّة من المعتزلة منهم النظّام وعليّ الأسواري والجاحظ، حيث ذهبوا إلى أنّه تعالى غير موصوف بالقدرة على ما لو فعله لكان قبيحاً ، وقد ردّ عليه القاضي بقوله « إنّه تعالى قادر على أن يخلق فينا العلم كما هو قادر على أن يخلق بدله الجهل ، وأيضاً قادر على أن يخلق الشّهوة في أهل الجنّة كما هو قادر على أن يخلق فيهم النّفرة » (١).
أقول : إنّ التّفصيل بين القدرة على الحسن والقدرة على القبيح ، موهون جدّاً ، وناش عن عدم التعرّف على مفهوم القدرة ، فإنّها تستعمل فيما إذا كان الفاعل بالنّسبة إلى الفعل والتّرك متساوياً ، وإلاّ لما وصف بالقدرة ، بل بالايجاب. فلو كان قادراً على إدخال المطيع إلى الجنّة ، ولم يكن قادراً على إدخاله في النار لما وصف بالقادر ، بل كان فاعلاً موجباً ، وبذلك يعلم حال عدّة من المسائل الّتي اختلف فيها المعتزلة ، وإليك عناوينها :
١ ـ ذهب عبّاد بن سليمان إلى عدم قدرته تعالى على خلاف معلومه ، قائلاً بأنّ ما علم وقوعه يقع قطعاً ، فهو واجب الوقوع ، وما علم عدم وقوعه لا يقع قطعاً ، فهو ممتنع
__________________
١ ـ شرح الاُصول الخمسة : ص ٣١٤.