أفعاله على مصالح وحِكم ترجع إلى العباد والنظام ، لا إلى وجوده وذاته ، كما لا يخفى.
تفسير العلة الغائية :
العلّة الغائيّة الّتي هي إحدى أجزاء العلّة التامّة ، يراد منها في مصطلح الحكماء ، ما تُخرج الفاعلَ من القوّة إلى الفعل ، ومن الامكان إلى الوجوب ، ويكون مقدّمة صورة وذهناً ، ومؤخّرة وجوداً وتحققاً ، فهي السبب لخروج الفاعل عن كونه فاعلاً بالقوّة إلى كونه فاعلاً بالفعل ، مثلاً النجّار لا يقوم بصنع الكرسيّ إلاّ لغاية مطلوبة مترتّبة عليه ، ولولا تصوّر تلك الغاية لما خرج عن كونه فاعلاً بالقوّة ، إلى ساحة كونه فاعلاً بالفعل ، وعلى هذا فللعلّة الغائيّة دور في تحقّق المعلول ، وخروجه من الإمكان إلى الفعليّة ، لأجل تحريك الفاعل نحو الفعل ، وسوقه إلى العمل.
ولا نتصوّر العلّة الغائيّة بهذا المعنى في ساحته سبحانه لغناه المطلق في مقام الذات ، والوصف ، والفعل ، فكما أنّه تامّ في مقام الوجود ، تامّ في مقام الفعل ، فلا يحتاج في الإيجاد إلى شيء وراء ذاته ، وإلاّ فلو كانت فاعليّة الحقّ كفاعليّة الانسان ، الذي لايقوم بالايجاد والخلق ، إلاّ لأجل الغاية المترتّبة عليه ، لكان ناقصاً في مقام الفاعليّة ، مستكملاً بشيء وراء ذاته وهو لا يجتمع مع غناه المطلق.
هذا ما ذكره الحكماء ، وهو حقّ لا غبار عليه ، وقد استغلّته الأشاعرة في غير موضعه واتّخذوه حجّة لتوصيف فعله عارياً عن أيّة غاية وغرض ، وجعلوا فعله كفعل العابثين واللاعبين ، يفعل ( العياذ باللّه ) بلا غاية ، ويعمل بلا غرض ، ولكنّ الاحتجاج بما ذكره الحكماء لإثبات ما رامته الأشاعرة واضح البطلان ، لأنّ إنكار العلّة الغائيّة بهذا المعنى ، لا يلازم أن لا يترتّب على فعله مصالح وحكم ينتفع بها العباد ، وينتظم بها النظام ، وإن لم تكن مؤثّرة في فاعليّة الحقّ وعليّته ، وذلك لأنّه سبحانه فاعل حكيم ، والفاعل الحكيم لا يختار من الأفعال الممكنة إلاّ ما يناسب ذلك ، ولا يصدر منه ما يضادّه ويخالفه.