وبعبارة ثانية ، لا نعني من ذلك أنّه قادر لواحد من الفعلين دون الآخر وأنّه في مقام الفاعليّة يستكمل بالغاية ، فيقوم بهذا دون ذاك ، بل هو سبحانه قادر على كلا الأمرين ، لا يختار منهما إلاّ ما يوافق شأنه ، ويناسب حكمته ، وهذا كالقول بأنّه سبحانه يعدل ولا يجور ، فليس يعنى من ذلك أنّه تامّ الفاعليّة بالنسبة إلى العدل دون الجور ، بل يعنى أنّه تام القادريّة لكلا العملين ، لكن عدله ، وحكمته ، ورأفته ، ورحمته ، تقتضي أن يختار هذا دون ذلك مع سعة قدرته لكليهما.
هذا هي حقيقة القول بأنّ أفعال اللّه لا تعلّل بالأغراض والغايات المصطلحة ، مع كون أفعاله غير خالية عن المصالح والحكم من دون أن يكون هناك استكمال.
دليل ثان للأشاعرة :
ثمّ إنّ أئمّة الأشاعرة لمّا وقفوا على منطق العدليّة في المقام ، وأنّ المصالح والحكم ليست غايات للفاعل بل غايات للفعل ، وأنّها غير راجعة إلى الفاعل ، بل إلى العباد والنّظام ، طرحوه على بساط البحث فأجابوا عنه وإليك نصّ كلامهم :
١ ـ « فان قيل : لانسلّم الملازمة ، فإنّما الغرض قد يكون عائداً إلى غيره.
قيل له : نفع غيره والاحسان إليه إن كان أولى بالنسبة إليه تعالى من عدمه ، جاء الالزام ، لأنّه تعالى يستفيد حينئذ بذلك النّفع والاحسان ما هو أولى به وأصلح ، وإن لم يكن أولى بل كان مساوياً ، أو مرجوحاً ، لم يصلح أن يكون غرضاً له » (١).
وقد جاء بنفس هذا البيان « الفضل بن روزبهان » في ردّه على « نهج الحقّ » للعلاّمة الحلّي وقال :
« إنّه لا يصلح غرضاً للفاعل إلاّ ما هو أصلح له من عدمه ، وذلك لأنّ ما يستوي وجوده وعدمه بالنّظر إلى الفاعل ، أو كان وجوده مرجوحاً بالقياس إليه ، لا يكون باعثاً
__________________
١ ـ المواقف : ص ٣٣٢.