على الفعل ، وسبباً لإقدامه عليه بالضّرورة ، فكلّ ما يكون غرضاً وجب أن يكون وجوده أصلح للفاعل ، وأليق به من عدمه ، فهو معنى الكمال ، فإذن يكون الفاعل مستكملاً بوجوده ، ناقصاً بدونه » (١).
يلاحظ عليه : أنّ المراد من الأصلح والأولى به ، ما يناسب شؤونه ، فالحكيم لايقوم إلاّ بما يناسب شأنه ، كما أنّ كلّ فاعل غيره يقوم بما يناسب المبادئ الموجودة فيه ، فتفسير الأصلح والأولى بما يفيده ويكمِّله ، تفسير في غير موضعه.
ومعنى أنّه لا يختار إلاّ الأصلح والأولى ، ليس أنّ هناك عاملاً خارجاً عن ذاته ، يحدِّد قدرته ومشيئته ويفرض عليه إيجاد الأصلح والأولى ، بل مقتضى كماله وحكمته ، هو أن لا يخلق إلاّ الأصلح والأولى ، ويترك اللّغو والعبث ، فهو سبحانه لمّا كان جامعاً للصّفات الكماليّة ومن أبرزها كونه حكيماً ، صار مقتضى ذلك الوصف ، إيجاد ما يناسبه وترك ما يضادّه ، فأين هو من حديث الاستكمال ، والاستفادة ، والالزام ، والافراض ، كلّ ذلك يعرب عن أنّ المسائل الكلاميّة طرحت في جوّ غير هادئ وأنّ الخصم لم يقف على منطق الطّرف الآخر.
والحاصل ، أنّ ذاته سبحانه تامة الفاعليّة بالنسبة إلى كلا الفعلين : الفعل المقترن مع الحكمة ، والخالي عنها ، وذلك لعموم قدرته سبحانه للحسن والقبيح ، ولكن كونه حكيماً يصدّه عن ايجاد الثاني ويخصّ فعله بالأوّل ، وهذا صادق في كلّ فعل له قسمان : حسن وقبيح. مثلاً ، اللّه سبحانه قادر على إنعام المؤمن وتعذيبه ، وتامّ الفاعليّة بالنّسبة إلى الكل ، ولكن لا يصدر منه إلاّ القسم الحسن منهما لا القبيح ، فكما لا يستلزم القول بصدور خصوص الحسن دون القبيح ( على القول بهما ) كونه ناقصاً في الفاعليّة ، فهكذا القول بصدور الفعل المقترن بالمصلحة دون المجرّد عنها ، وإنعام المؤمن ليس مرجوحاً ولا مساوياً مع تعذيبه بل أولى به وأصلح ، لكن معنى صلاحه وأولويّته لا يهدف إلى استكماله أو استفادته منه ، بل يهدف إلى أنّه المناسب لذاته الجامعة للصفات الكماليّة ،
__________________
١ ـ دلائل الصدق : ج ١ ص ٢٣٣.