المنزهة عن خلافها ، فجماله وكماله ، وترفّعه عن ارتكاب القبيح ، يطلب الفعل المناسب له ، وهو المقارن للحكمة ، والتجنّب عن مخالفتها.
والحاصل أنّ الله سبحانه فعل أم لم يفعل فهو كامل بلانهاية ، لكن لو فعل لاختار المناسب للحكمة وأين هو من الاستكمال.
دليل ثالث للأشاعرة :
وهناك دليل ثالث لهم حاصله : أنّ غرض الفعل خارج عنه ، يحصل تبعاً له وبتوسّطه ، وبما أنّه تعالى فاعل لجميع الأشياء ابتداءً ، فلا يكون شيء من الكائنات إلاّ فعلاً له ، لا غرضاً لفعل آخر لا يحصل إلاّ به ، ليصلح غرضاً لذلك الفعل ، وليس جعل البعض غرضاً أولى من البعض (١).
وكان عليه أن يقرّر الدليل بصورة كاملة ويقول : لو كان البعض غاية للبعض فإمّا أن ينتهي إلى فعل لا غاية له فقد ثبت المطلوب ، أو لا فيتسلسل وهو محال.
يلاحظ عليه : ـ أنّه لايشكّ من أطلّ بنظره إلى الكون ، أنّ بعض الأشياء بما فيها من الآثار خلق لأشياء اُخر ، فالغاية من ايجاد الموجودات الدانية كونها في خدمة العالية منها ، وأمّا الغاية في خلق العالية هي إبلاغها إلى حدّ تكون مظاهر ومجالي لصفات ربِّه ، وكمال بارئه.
إذا نظرنا إلى الكون بالنظر التجزيئي نرى هناك أوائل الأفعال ، وثوانيها ، وثوالثها و ... فيقع الداني في خدمة العالي ، ويكون الغرض من إيجاد العالي إيصاله إلى كماله الممكن الّذي هو أمر جميل بالذات ، ولا يطلب إيجاد الجميل بالذات غاية سوى وجوده لأنّ الغاية منطوية في وجوده.
هذا إذا نظرنا إلى الكون بالنظر التجزيئي. وأمّا إذا نظرنا إلى الكون بالنظر
__________________
١ ـ المواقف : ص ٣٢٢.