عليها الجفاف ، وصارت يابسة.
فمثل الممكن يتّصف بالوجود باستمرار ، مثل هذه الأرض المتّصفة بالرطوبة دائماً ، فكما أنّ الثاني رهن استمرار إفاضة قطرات الماء عليها آناً بعد آن ، فهكذا الأوّل لا يتحقّق إلاّ باستمرار إفاضة الوجود عليه آناً بعد آن ، ولو انقطع الفيض والصِّلة بينه وبين المفيض لانعدم ولم يبق منه أثر.
تعلّق مقدور واحد بقادرين أو قدرتين
قد سبق أن القاضي اعتمد على هذا الوجه (١) في نفي صلة فعل العبد بالله سبحانه ، وزعم أنّ القول بكون أفعال العباد مخلوقه للّه سبحانه يستلزم تعلّق المقدور الواحد بقادرين أو بقدرتين ، وهذا أمر محال سواء أكانا حادثين أم قديمين ، أم كان أحدهما حادثاً والآخر قديماً.
وقد خصّص القاضي الجزء الثّامن من أجزاء موسوعته « المغني » بالجبر والاختيار ، وأسماه « المخلوق » ويشتمل على عشرين فصلاً ، عرض فيها آراء المعتزلة المتنوِّعة في خلق الأفعال وناقش خصومهم ، وردّ على شبهاتهم.
وقد عقد فصلاً خاصّا (٢) لهذا الأمر ، واستدلّ على الامتناع بأدلّة عشر أو أزيد ، وهو أبسط الفصول وأوسعها من بينها ، وقد فات على القاضي تحرير محلِّ النّزاع ، وأنّ المراد من القدرتين ما هو. فهل المراد القدرتان العرضيّتان أو الطوّليتان؟
فإن كان المراد هو الاُولى فاستحالة اجتماع قدرتين تامّتين عرضيّتين على مقدور واحد لا يحتاج إلى الاطناب الّذي ارتكبه القاضي ، لأنّه ينتهي إلى خلف الفرض ، وتخرج العلّة التامّة عن كونها علّة تامّة ، وتصير علّة ناقصة.
لأنّ المقدور بعد التحقّق إمّا أن ينسب إلى كلتا القدرتين ، بحيث يكون لكلِّ منهما تأثير ودخالة ، فتعود العلّة التامّة إلى العلّة الناقصة ، والقادر التامّ إلى القادر غير
__________________
١ ـ لاحظ ص ٣٥٠ من هذا الجزء.
٢ ـ المغني : الجزء ٨، ص ١٠٩ ـ ١٦١.