التّمثيل في غير محلّه ، لأنّ البنّاء والصانع فاعلان للحركة أي ضمّ بعض الأجزاء إلى بعض والحركة تنتهي بانتهاء عملهما فضلاً عن موتهما. وأمّا بقاء البناء والمصنوعات فهو مرهون للنّظم السائد فيهما ، فإنّ البناء يبقى بفضل القوى الطبيعيّة الكامنة فيه ، الّتي أودعها الله سبحانه في صميم الأشياء فليس للبنّاء والصانع فيها صنع ، وأمّا الهيئة والشّكل فهما نتيجة اجتماع أجزاء صغيرة ، فتحصّل من المجموع هيئة خاصّة وليس لهما فيها أيضاً صنع.
تمثيلان لإيضاح الحقيقة
الحقّ إنّ قياس المعقول بالمحسوس الّذي ارتكبته المعتزلة ـ لو صحّت النسبة ـ قياس غير تام ، ولو أراد المحقّق القياس والتّمثيل فعليه أن يتمسّك بالمثالين التّاليين :
الأوّل : إنّ مثل الموجودات الإمكانيّة بالنسبة إلى الواجب ، كمثل المصباح الكهربائي المضيء ، فالحسّ الخاطئ يزعم أنّ الضوء المنبعث من هذا المصباح هو استمرار للضّوء الأوّل ، ويتصوّر أنّ المصباح إنّما يحتاج إلى المولِّد الكهربائي في حدوث الضّوء دون استمراره. والحال إنّ المصباح فاقد للاضاءة في مقام الذّات ، محتاج في حصولها إلى ذلك المولِّد في كلِّ لحظة ، لأنّ الضوء المتلألئ من المصباح إنّما هو استضاءة بعد استضاءة واستنارة بعد استنارة ، من المولّد الكهربائي ، أفلا ينطفئ المصباح إذا انقطع الاتّصال بينه وبين المولّد؟ فالعالم يشبه هذا المصباح الكهربائي تماماً ، فهو لكونه فاقداً للوجود الذّاتي يحتاج إلى العلّة في حدوثه وبقائه ، لأنّه يأخذ الوجود آناً بعد آن ، وزماناً بعد زمان.
الثاني : نفترض منطقة حارّة جافّة تطلع عليها الشمس بأشعّتها المحرقة الشديدة. فإذا أردنا أن تكون تلك المنطقة رطبة دائماً بتقطير الماء عليها ، وإفاضته بما يشبه الرذاذ (١) ، فإنّ هذا الأمر يتوقّف على استمرار تقاطر الماء عليها ، ولو انقطع لحظة ساد
__________________
١ ـ المطر الضعيف