والمعتزلة اختارت الثاني واستسهلت وقوع ظاهرة خارجة عن سلطانه سبحانه.
ولو أنّ القوم وقفوا على الطّريق الثالث الّذي يتنزّه عن فساد المسلكين ويجمع مزيّتهما ، لأعرضوا عنهما والتجأوا إلى الحقّ اللاّحب وهو القول بالأمر بين الأمرين ، فللفعل صلة لخالق العبد ، كما أنّ له صلة لفاعل الفعل ، ولكنّ المسؤولية متوجّهة على العبد ، إذ هو الّذي يصرف القدرة الموهوبة عن اختيار فيما يختاره من الأفعال ويعمل من الأعمال. وسوف تقف على حقيقة الحال عند بيان عقائد الإماميّة فانتظر.
المسألة الثالثة :
في تقدّم الاستطاعة على الفعل
اختلفت المعتزلة والأشاعرة في تقدّم القدرة على المقدور ، فالطّائفة الاُولى على لزوم تقدُّمها عليه والثانية على لزوم المقارنة بينهما.
وكان الأولى البحث عن هذه المسألة فى باب القدرة. غير أنّ القاضي طرحه في باب العدل وقال : « ووجه اتّصاله به أنّه يلزم على القول بمقارنتها للمقدور ، تكليف ما لا يطاق وذلك قبيح ، ومن العدل أن لا يفعل القبيح ».
ثمّ استدلّ على مذهبه بوجهين :
الأوّل : لو كانت القدرة مقارنة لمقدورها لوجب أن يكون تكليف الكافر بالإيمان تكليفاً بما لا يطاق ، إذ لو أطاقه لوقع منه ، فلمّا لم يقع دلّ على أنّه كان غير قادر عليه. وتكليف ما لا يطاق قبيح.
الثّاني : إنّ القدرة صالحة للضدّين ، فلو كانت مقارنة لهما لوجب بوجودها وجود الضّدّين ، فيجب في الكافر وقد كلّف بالإيمان ، أن يكون كافراً مؤمناً دفعة واحدة ، وذلك محال (١).
__________________
١ ـ شرح الاُصول الخمسة : ص ٣٩٦.