وبما أنّ الاجابة عن الاستدلال بالآيات واضحة ، طوينا الكلام عن استدلالاتهم ، روماً للاختصار ولما سبق منّا في الجزء الثاني في تحليل عقائد الأشعري (١).
المسألة الخامسة :
في أنّ الله لا يريد المعاصي
ذهبت المعتزلة إلى أنّه لا يجوز أن يكون سبحانه مريداً للمعاصي. وأوضح القاضي وجه صلة هذا البحث بباب العدل بأنّ الارادة فعل من الأفعال ، ومتى تعلّقت بالقبيح كانت واجبة لا محالة ، وكونه تعالى عدلاً يقتضي أن تنفى عنه هذه الارادة (٢).
المعتزلة ينظرون إلى المسألة من زاوية التّنزيه فيتصوّرون أنّ تنزيه الرّبِّ يتحقق بعدم تعلّق إرادته بالقبائح ، لأنّ من أراد القبيح يتّصف فعله بالقبح ويسري إلى الفاعل ، بينما يريد الأشعري تعظيم الرّب ، وأنّه لا يكون في ملكه ما لا يريد ويذهب إلى سعة إرادته.
وقد نقل التفتازاني في « شرح المقاصد » أنّه دخل القاضي عبد الجبّار ( ت ٤١٥ هـ ) دار الصاحب بن عبّاد ( ت ٣٨٥ هـ ) فرأى الاُستاذ أبا إسحاق الإسفرائيني ( ت ٤١٣ هـ ) ، فقال القاضي : « سبحان من تنزّه عن الفحشاء » ( مزدرياً بالاسفرائيني بأنّه لأجل القول بسعة إرادته يصفه سبحانه بالفحشاء ) فأجابه الاسفرائيني بقوله : « سبحان من لا يجري في ملكه إلاّ ما يشاء » إيماءً بأنّ القاضي لأجل قوله بضيق إرادته سبحانه ، يعتقد بأنّ هناك أشياء تقع في سلطانه ومملكته خارجة عن مشيئته » (٣).
لكنّ القولين بين الافراط والتّفريط. وما يتبنّيانه من الغاية ( التّنزيه والتّعظيم ) يحصل برفض القولين ، والاعتناق بالقول الثّالث الّذي هو مذهب بين المذهبين ، وأمر
__________________
١ ـ لاحظ الجزء الثاني من هذه الموسوعة : ص ١٩٣.
٢ ـ شرح الاُصول الخمسة : ص ٤٣١.
٣ ـ انظر شرح المقاصد : ج ٢، ص ١٤٥.