« أُشكل هذا بأنّ المقدّرات في الأزل ، والمكتوبات في اللّوح المحفوظ لا تتغيّر بالزيادة والنقصان لاستحالة خلاف معلوم الله تعالى ، وقد سبق العلم بوجود كلِّ ممكن أراد وجوده وبعدم كلِّ ممكن أراد بقاءه على حالة العدم أو إعدامه بعد ايجاده ، فكيف يمكن الحكم بزيادة العمر ونقصانه بسبب من الأسباب؟ ».
ثمّ أجاب وقال : « إنّ الله تعالى كما علم كميّة العمر ، علم ارتباطه بسببه المخصوص، وكما علم من زيد دخول الجنّة ، جعله مرتبطاً بأسبابه المخصوصة ، من إيجاده ، وخلق العقل له ، وبعث الأنبياء ونصب الألطاف ، وحسن الاختيار ، والعمل بموجب الشّرع ، فالواجب على كلِّ مكلّف الاتيان بما أُمر به ، ولا يتّكل على العلم ، فإنّه مهما صدر منه فهو المعلوم بعينه.
وبالجملة : جميع ما يحدث في العالم ، معلوم للّه تعالى على ما هو عليه واقع ، من شرط أو سبب وليس نصب صلة الرحم زيادة في العمر إلاّ كنصب الإيمان سبباً في دخول الجنّة » (١).
ولو أمعنت فى أطراف كلامه تجد أنّه ( قدّس الله سرّه ) يشير إلى نفس الجواب الّذي بيّناه خصوصاً قوله « جعله مرتبطاً بأسبابه المخصوصة من إيجاده .. وحسن الاختيار » وقوله : « جميع ما يحدث في العالم معلوم للّه تعالى على ما هو عليه ... ».
المسألة السادسة :
في وجوب اللّطف
اشتهرت العدليّة بوجوب اللّطف (٢) على الله سبحانه ، وخالفتهم الأشعريّة وبشر
__________________
١ ـ القواعد والفوائد : ج ٢، ص ٥٦، القاعدة ١٦٣.
٢ ـ المراد من الوجوب كونه مقتضى الحكمة ، أو الجود والكرم ، لا الوجوب بالمعنى المتبادر في أوساط الناس من حاكمية العباد على الله ، وكون تركه مستلزماً للذم واللوم أو العقاب ، وعلى ذلك فالحكم مستكشف العقل باعتبار ملاحظة أوصافه الجميلة. وعلى أيّ تقدير فمن قال به فإنما قال به من باب الحكمة ، تحصيلاً لهدف الخلقة ، أو هدف التكليف ، أو من باب الجود والكرم ، وأما إيجابه من باب العدل فلم يعلم له معنى محصل.