أوضح من القول به في المقرِّب.
ولكن يظهر من الشّيخ المفيد أنّ وجوب اللّطف من باب الجود والكرم ، قال : « إنّ ماأوجبه أصحاب اللّطف من اللّطف ، إنّما وجب من جهة الجود والكرم ، لا من حيث ظنّوا أنّ العدل أوجبه ، وأنّه لو لم يفعل لكان ظالماً » (١).
يلاحظ عليه : أنّ إيجابه من باب الجود والكرم يختّص باللّطف الراجع إلى آحاد المكلّفين ، لا ما يرجع إلى تجسيد غرض الخلقة ، أو غرض التّكليف ، عند الأكثريّة الساحقة من المكلّفين ، كما عرفت.
ثمّ إنّ المراد من وجوب اللّطف على الله سبحانه ليس ما يتبادر إلى أذهان السطحيّين من الناس ، من حاكميّة العباد على الله ، مع أنّ له الحكم والفصل ، بل المراد استكشاف الوجوب من أوصافه تعالى ، فإنّ أفعاله مظاهر لأوصافه تعالى ، كما أنّ أوصافه مظاهر لذاته تبارك وتعالى. فإذا علمنا ـ بدليل عقليّ قاطع ـ أنّه تعالى حكيم ، استتبع ذلك واستلزم العلم بأنّه لطيف بعباده ، حيثما يَبطل غرض الخلقة أو غرض التّكليف لولا اللّطف.
المسألة السابعة :
في حدوث كلامه تعالى
من المسائل الّتي أثارت ضجّة كبرى بين العلماء وانتهت إلى محنة تعرف في التأريخ بمحنة الإمام أحمد بن حنبل ، هي البحث عن حدوث القرآن وقدمه ، وعن كونه مخلوقاً أو لا. فالمعتزلة على حدوث القرآن ونفي قدمه تنزيهاً له سبحانه عن المثل القديم وغير المخلوق ، وأصحاب الحديث والحنابلة وبعدهم الأشاعرة على ضدّهم وأنّه قديم أو ليس بمخلوق فراراً عن سمة الحدوث الطارئ على صفاته مثل التكلّم.
ولمّا وصلت المعتزلة في عصر المأمون وبعده في عصر الواثق إلى قمّة القدرة و
__________________
١ ـ أوائل المقالات : ص ٢٥ ـ ٢٦.