ثمّ إنّ القاضي استدلّ على حدوث القرآن بآيات :
١ ـ ( ومَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَث ) ( الأنبياء / ٢ ) والذِّكر هو القرآن بدليل قوله : ( إنّا نَحْنُ نَزَّلنا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُون ). فقد وصفه بأنّه محدث ، ووصفه بأنّه منزّل ، والمنزّل لا يكون إلاّ محدثاً. وفيه دلالة على حدوثه من وجه آخر ، لأنّه قال : ( وإنّا له لحافظون ) فلو كان قديماً لما احتاج إلى حافظ يحفظه.
٢ ـ ( الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُه ثُمَّ فُصِّلَتْ ) ( هود / ١ ).
بيّن كونه مركّباً من هذه الحروف وذلك دلالة حدوثه ، ثمّ وصفه بأنّه كتاب ، أي مجتمع من كتب ، ومنه سمّيت الكتيبة كتيبة ، وما كان مجتمعاً لا يجوز أن يكون قديماً.
٣ ـ ( اللّهُ نزَّل أحْسَنَ الحديثِ كِتاباً مُتشابِهاً مَثانِيَ ) ( الزمر / ٢٣ ).
وصفه بأنّه « منزّل » أوّلاً ، ثمّ قال : « أحسن الحديث ». وصفه بالحسن ، والحسن من صفات الأفعال. ووصفه بأنّه « حديث » وهو والمحدث واحد. فهذا صريح ما ادّعيناه. وسمّاه « كتاباً » ، وذلك يدلّ على حدوثه كما تقدّم. وقال : « متشابهاً » أي يشبه بعضه بعضاً في الاعجاز والدّلالة على صدق من ظهر عليه. وما هذا حاله لا بدّ من أن يكون محدثاً (١).
٤ ـ محاولة بعض الحنابلة لإثبات القدم
ولمّا كانت العقيدة بقدم القرآن منافية لتوحيده سبحانه ، حاول ابن تيميّة تصحيح عقيدة الحنابلة ـ الّتي صارت متروكة ومندرسة بعد ثورة الإمام الأشعري على الطّائفتين ـ بالتّفريق بين القدم وعدم المخلوقيّة وقال :
« وكما لم يقل أحد من السّلف إنّ كلام الله مخلوق ، فلم يقل أحد منهم إنّه قديم ، ولم يقل واحداً من القولين أحد من الصّحابة ، ولا التّابعين لهم بإحسان ، ولا من بعدهم من الأئمّة الأربعة ولا غيرهم. وأوّل من عرف أنّه قال « هو قديم » ، عبدالله بن سعيد بن
__________________
١ ـ شرح الاُصول الخمسة : ص ٥٣٢.