اللّفظ بالقرآن لغموض وقع في ذلك وكلّهم يجمعون على أنّ القرآن بكلّ حال ـ مقروءاً ومكتوباً ومسموعاً ومحفوظاً ـ غير مخلوق » (١).
وذهبت الكلابيّة (٢) إلى أنّ كلام الله تعالى هو معنى أزليّ قائم بذاته مع أنّه شيء واحد.
وأمّا مذهبنا في ذلك فهو أنّ القرآن كلام الله تعالى ووحيه وهو مخلوق محدث أنزله الله على نبيِّه ليكون علماً ودالاً على نبوّته ، وجعله دلالة لنا على الأحكام لنرجع إليه في الحلال والحرام واستوجب منّا بذلك الحمد والشّكر والتّحميد والتّقديس ، واذن هو الّذي نسمعه اليوم ونتلوه وإن لم يكن محدثاً من جهة الله تعالى فهو مضاف إليه على الحقيقة كما يضاف ما ننشده اليوم من قصيدة امرئ القيس على الحقيقة ، وإن لم يكن مُحدِثاً لها من جهته الآن (٣).
إذا كان محلّ النزاع هو القرآن المتلوّ كما يظهر من كلام القاضي فحدوثه أمر واضح ، فإنّ الكلام هو الحروف المنظومة الّتي تظهر بالأصوات المقطّعة وليس حدوثه شيئاً يحتاج إلى دليل ولو احتاج حدوث مثل هذا إلى دليل إذاً احتاج النّهار إلى دليل. كيف وإنّ ترتيب حروف الكلمات والجمل يستلزم الحدوث ، لأنّ تحقّق كلمة بسم الله يتوقّف على حدوث الباء وانعدامها ، ثمّ حدوث السين كذلك ، ثمّ حدوث الميم وهكذا إلى آخر البسملة. فالحدوث ثمّ الانعدام لا يفارقان مفردات الحروف. وفي ضوء هذا توجد الكلمة فكيف يمكن أن يكون مثل هذا قديماً أزليّاً مع الله تعالى؟.
وهذا الاستدلال متين لا مفرّ منه.
____________
١ ـ تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة : ص ١٦ طبع دار الجيل ، .
٢ ـ المؤسس هو عبدالله بن محمد بن كلاب ، وله مع عباد بن سليمان مناظرات ، وكان يقول : إنّ كلام الله هو الله ، وكان عباد يقول : إنّه نصراني بهذا القول : فلاحظ فهرست ابن النديم الفن الثالث من المقالة الخامسة ص ٢٣٠.
٣ ـ شرح الاُصول الخمسة : ص ٥٢٨.