الثّاني : مانقله عنهم العلاّمة الدوّاني في ( شرح العقائد ) ، قال : « المعتزلة والخوارج أوجبوا عقاب صاحب الكبيرة إذا مات بلا توبة ، وحرّموا عليه العفو. واستدلّوا عليه بأنّ الله أوعد مرتكب الكبيرة بالعقاب ، فلو لم يعاقب لزم الخلف في وعده والكذب في خبره ، وهما محالان » (١).
واُجيب عنه بأنّ الوعد والوعيد مشروطان بقيود وشروط معلومة من النّصوص، فيجوز التخلّف بسبب انتفاء بعض تلك الشّروط (٢).
وربّما اُجيب بوجه آخر وهو أنّ الخلف في الوعيد جائز على الله تعالى وإن كان لا يجوز أن يخلف الوعد. وروي عن أنس بن مالك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « من وعده الله على عمله ثواباً فهو منجز له ، ومن أوعده على عمله عقاباً فهو في الخيار » (٣).
وروي أنّ عمرو بن عبيد ( رئيس المعتزلة بعد واصل ) جاء إلى أبي عمرو بن العلاء وقال : يا أبا عمرو ، يخلف الله ما وعده؟ قال : لا. قال : أفرأيت من أوعده الله على عمل عقاباً ، أيخلف الله وعيده فيه؟ فقال أبو عمرو : من العجمة أتيت يا أبا عثمان ، إنّ الوعد غير الوعيد. إنّ العرب لا يَعدّ عيباً ولا خلفاً ، أن يعد شرّاً ثمّ لم يفعل ، بل يرى ذلك كرماً وفضلاً ، وإنّما الخلف أن يعد خيراً ثمّ لم يفعل. قال ( عمرو بن عبيد ) فأوجدني هذا العرب. قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :
وإنّي إذا أوعدته أو وعدته |
|
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي |
وذكر الشاعر الآخر :
إذا وعد السرّاء أنجز وعده |
|
وإن أوعد الضرّاء فالعفو مانع (٤) |
__________________
١ ـ شرح العقائد العضدية : ج ٢ ص ١٩٤ ـ ١٩٨. المطبوع مع حاشية اسماعيل الكلنبوي عام ١٣١٩ في الاستانة.
٢ ـ شرح العقائد العضدية : ج ٢ ص ١٩٤ ـ ١٩٨. المطبوع مع حاشية اسماعيل الكلنبوي عام ١٣١٩ في الاستانة.
٣ ـ شرح العقائد العضدية ج ٢ ص ١٩٤ ـ ١٩٩ والمتن للقاضي الايجي ( المتوفى عام ٧٥٦ ) والشرح لجلال الدين الدواني ( المتوفى عام ٩٠٨، أو ٩٠٩ هـ ) طبعا مع حواشي الشيخ اسماعيل الكلنبوي المتوفى ( عام ١٢٠٥ هـ ) في استنبول ( عام ١٣١٧ هـ ).
٤ ـ المعتزلة : ص ١٥٧، والظاهر منه أنّه نقله عن الجويني في كتابه « الارشاد الى قواطع الأدلّة إلى صحيح الاعتقاد ».