إحدى المراكز الصناعية ، أو العلميّة ، أو الاداريّة. فإذا أعدنا السؤال عليه وقلنا : ماهي الغاية من الاشتغال فيها؟ يقول : لتأمين وسائل العيش مع الأهل والعيال. فلو سألناه بعدها عن الغاية من طلب الرفاه وتأمين سبل العيش، لوجدنا السؤال جزافياً. لأنّ ما تقدّم من الغايات وأجاب عنها ، غايات عرضية لهذه الغاية المطلوبة بالذات ، فإذا وصل الكلام إلى الأخيرة يسقط السؤال.
القرآن وأفعاله سبحانه الحكيمة :
والعجب عن غفلة الأشاعرة من النصوص الصريحة في هذا المجال. يقول سبحانه ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) ( المؤمنون / ١١٥ ) وقال عزّ من قائل : ( وما خَلَقْنَا السَّمواتِ والأرضَ وما بَيْنَهُما لاعِبين ) ( الدخان / ٣٨ ).
وقال سبحانه : ( ومَا خَلَقْنَا السَّماءَ والأرضَ ومَا بَيْنَهُما بَاطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ ) ( ص / ٢٧ ) وقال سبحانه : ( ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنسَ إلاّ لِيَعْبُدُون ) ( الذاريات / ٥٦ ) إلى غير ذلك من الآيات الّتي تنفي العبث عن فعله ، وتصرّح باقترانها بالحكمة والغرض.
وأهل الحديث وبعدهم الأشاعرة الّذين اشتهروا بالتعبّد بظواهر النصوص تعبّداً حرفيّاً غير مفوّضين معانيها إلى الله سبحانه ولا مؤوّليها ، لا مناص لهم إلاّ تناسي الآيات الماضية ، أو تأويلها ، وهم يفرّون منه ، وينسبونه إلى مخالفيهم.
عطف مذهب الحكماء على مذهب الأشاعرة :
ومن الخطأ الواضح ، عطف مذهب الحكماء على مذهب الأشاعرة ، وتصوير أنّ الطّائفتين يقولون بأنّ أفعال اللّه سبحانه غير معلّلة بالأغراض ، وهو خطأ محض. كيف وهذا صدر المتألهين يخطِّئ الأشاعرة ويقول : « إنّ من المعطِّلة قوماً جعلوا فعل اللّه تعالى خالياً عن الحكمة والمصلحة ، مع أنّك قد علمت أنّ للطّبيعة غايات » (١) وقال أيضاً :
__________________
١ ـ الأسفار : ج ٢، ص ٥٩.