إشارة إلى الحال الّتي يكونون عليها ظالمين ، ويجري ذلك مجرى قول القائل : أنا أودّ فلاناً على غدره ، وأصِلُه على هجره » (١).
وقد قرّر القاضي دلالة الآية وأجاب عنه بأنّ الأخذ بظاهر الآية ممّا لا يجوز بالاتّفاق ، لأنّه يقتضي الاغراء على الظّلم ، وذلك ممّا لا يجوز على الله تعالى ، فلا بدّ من أن يؤوّل ، وتأويله هو أنّه يغفر للظّالم على ظلمه إذا تاب (٢).
يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره من الإشكال ، جار في صورة التّوبة أيضاً ، فإنّ الوعد بالمغفرة مع التّوبة يوجب تمادي العاصي في المعصية برجاء أنّه يتوب. فلو كان القول بعدم خلود المؤمن موجباً للاغراء ، فليكن الوعد بالغفران مع التّوبة كذلك.
والّذي يدلّ على أنّ الحكم عامّ للتّائب وغيره هو التّعبير بلفظ « الناس » مكان « المؤمنين ». فلو كان المراد هو التّائب لكان المناسب أن يقول سبحانه : « وإنّ ربّك لذو مغفرة للمؤمنين على ظلمهم » مكان قوله للناس. وهذا يدلّ على أنّ الحكم عامّ يعمّ التائب وغيره.
وفي الختام ، إنّ الآية تعد المغفرة للنّاس ولا تذكر حدودها وشرائطها ، فلا يصحّ عند العقل الاعتماد على هذا الوعد وارتكاب الكبائر. فإنّه وعد إجماليّ غير مبيّن من حيث الشّروط والقيود.
٢ ـ قوله سبحانه : ( إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ومَنْ يُشْرِك بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً ) ( النساء / ٤٨ ).
وجه الاستدلال بهذه الآية على أنّ رحمته تشمل غير التّائب من الذنوب ، أنّه سبحانه نفى غفران الشِّرك دون غيره من الذٌّنوب ، وبما أنّ الشرك يغفر مع التّوبة فتكون الجملتان ناظرتين إلى غير التائب ، فمعنى قوله : « إنّ اللّهَ لا يغفِرُ أن يشركَ » أنّه لا يغفر إذا مات بلا توبة ، كما أنّ معنى قوله : « ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء » أنّه يغفر ما دون
____________
١ ـ مجمع البيان : ج ٣، ص ٢٧٨.
٢ ـ شرح الاُصول الخمسة : ص ٦٨٤.