والاستدلال بهذه الآية إنّما يصحّ مع غضِّ النّظر عن سياقها ، وأمّا مع النّظر إليه فإنّها واردة في حقِّ اليهود ، أضف إليه أنّ قوله سبحانه : ( وأحاطت به خطيئته ) لايهدف إلاّ إلى الكافر ، فإنّ المسلم المؤمن مهما كان عاصياً لا تحيط به خطيئة ، ففي قلبهنقاط بيضاء يشعّ عليها إيمانه واعتقاده بالله سبحانه وأنبيائه وكتبه على أنّ دلالة الآية بالاطلاق ، فلو ثبت ما تقوله جمهرة المسلمين ، يخرج الفاسق من الآية بالدّليل.
الآية الرابعة : قوله سبحانه : ( إِنَّ المُجْرِمِينَ فِي عَذَاب جَهَنَّمَ خَالدُونَ* لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فَيْهِ مُبْلِسُون * وما ظَلَمْنَاهُمْ ولكِنْ كَانُوا هُمُ الظّالمين ) ( الزخرف / ٧٤ ـ ٧٦ ).
إنّ دلالة الآية بالإطلاق فهي قابلة للتّقييد أوّلاً. وسياق الآية في حقِّ الكفّار ثانياً ، بشهادة قوله سبحانه قبل هذه الآية : ( الَّذِينَ آمَنُوا بِ آيَاتِنَا وكَانُوا مُسْلِمِين * ادخُلُوا الجَنَّةَ أَنْتُمْ وأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ) ( الزخرف / ٦٩ ـ ٧٠ ).
ثمّ يقول : ( إنّ المجرمين في عذاب جهنّم خالدون ) » فـ « المجرمين » في مقابل « الّذين آمنوا » فلايعمّ المسلم.
هذه هي الآيات الّتي استدلّت بها المعتزلة على تخليد الفاسق في النّار. وقد عرفت أنّ دلالتها بالاطلاق لا بالصِّراحة ، وتقييد المطلق أمر سهل ، مثل تخصيص العام ، مضافاً إلى انصراف أكثرها أو جميعها إلى الكافر والمنافق. وهناك آيات (١) أظهر ممّا سبق تدلّ على شمول الرّحمة الإلهيّة للفسّاق غير التّائبين ، وإليك بيانها :
١ ـ قوله سبحانه : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ المَثُلاتُ وَإنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَة للنّاس عَلَى ظُلمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقَابِ ) ( الرعد / ٦ ).
قال الشريف المرتضى : « في هذه الآية دلالة على جواز المغفرة للمذنبين من أهل القبلة ، لأنّه سبحانه دلّنا على أنّه يغفر لهم مع كونهم ظالمين. لأنّ قوله : ( على ظلمهم )
__________________
١ ـ كما تدلّ هذه الآيات على عدم الخلود في النار ، تدلّ على جواز العفو عن الفاسق من بدء الأمر ، وأنّه يعفى عنه ولا يعذّب من رأس ، فهذا الصنف من الآيات كما تحتجُّ بها في هذه المسألة ، تحتج بها في المسألة السالفة أيضاً فلاحظ.