من النّار بشفاعة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله سبحانه : ( واتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفُسٌ عَنْ نَفْس شيئاً ) ( البقرة / ٤٨ ) ، وقوله سبحانه : ( ما للظّالمين من حميم ولا شَفِيع يُطَاعُ ) ( غافر / ١٨ ) (١).
يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ الاُسلوب الصّحيح لتفسير القرآن الكريم هو تجريد المفسِّر نفسه عن كلِّ رأي سابق أوّلاً ، وجمع الآيات المربوطة بموضوع واحد ثانياً. فعند ذلك يقدر على فهم المراد. والقاضي نظر إلى الآيات بمنظار الاعتزال أوّلاً ، ولم يجمع الآيات الراجعة إلى الشّفاعة ثانياً ، مع أنّ الآيات الراجعة إلى الشّفاعة على سبعة أصناف (٢) فأخذ صنفاً واحداً وترك الأصناف الاُخر.
ثانياً : ما ذكره من الآيتين في نفي الشفاعة راجعتان الى الكفّار. فالآية الاُولى ناظرة إلى نفي الشّفاعة الّتي كانت اليهود يتبنّونها كما هو صريح سياقها ، والآية الثانية الّتي وردت في السّورة المكّية ناظرة إلى الشّفاعة الّتي كان المشركون يعتقدون بها. قال سبحانه حاكياً عنهم : ( إذ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ العالمين * وما أَضَلَّنَا إلاّ المُجْرِمُون * فَما لَنَا مِن شَافِعِين * ولا صَدِيق حَمِيم ) ( الشعراء / ٩٨ ـ ١٠١ ).
وقال سبحانه : ( وكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ* حَتَّى أَتَينَا اليَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشّافِعِين ) ( المدثر / ٤٦ ـ ٤٨ ).
ثالثاً : أنّ مسألة الشّفاعة لم تكن فكرة جديدة ابتكرها الإسلام وانفرد بها ، بل كانت فكرة رائجة بين أمم العالم من قبل ، وخاصّة الوثنيّين واليهود ، والإسلام طرحها مهذّبة من الخرافات ، وممّا نسج حولها من الأوهام ، وقرّرها على اُسلوب يوافق اُصول العدل والعقل ، وصحّحها تحت شرائط في الشّافع والمشفوع له ، وهي الّتي تجرّ العصاة إلى الطّهارة من الذّنوب ، وكفّ اليد عن الآثام والمعاصي ، ولا توجد فيهم جرأة وجسارة على هتك السّتر.
ومن امعن النظر في آراء اليهود والوثنيّين في أمر الشّفاعة أنّ الشّفاعة تقف على
__________________
١ ـ الاصول الخمسة : ص ٦٨٩.
٢ ـ لاحظ في الوقوف على هذه الأصناف الجزء الرابع من مفاهيم القرآن ١٧٧ ـ ١٩٩.