الدّارجة بينهم ، خصوصاً اليهود ، كانت مبنيّة على رجائهم لشفاعة أنبيائهم وآبائهم في حطِّ ذنوبهم ، وغفران آثامهم. ولأجل هذا الاعتقاد كانوا يقترفون المعاصي ، ويرتكبون الذّنوب تعويلاً على ذلك الرّجاء.
وفي هذا الموقف يقول سبحانه ردّاً على تلك العقيدة الباعثة على الجرأة : ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاّ بِإِذْنِهِ ) ( البقرة / ٥٥ ) ، ويقول أيضاً رفضاً لتلك الشّفاعة المحرّرة من كلِّ قيد : ( ولا يَشْفَعُونَ إلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) ( الأنبياء / ٢٨ ).
وحاصل الآيتين أنّ أصل الشّفاعة الّتي تدّعيها اليهود ويلوذ بها الوثنيّون حقّ ثابت في الشّريعة السماويّة ، غير أنّ لها شروطاً أهمّها إذنه سبحانه للشّافع ، ورضاه للمشفوع له.
وعلى ذلك فكيف يصحّ لنا تخصيص الآيات بقسم خاصّ من الشّفاعة وهي شفاعة الأولياء لرفع الدّرجة وزيادة الثّواب.
وأوضح دليل على عموميّة الشّفاعة ما أصفق على نقله المحدِّثون من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي ». والقاضي رمى هذا الحديث بأنّه خبر واحد لا يصحّ به الاحتجاج في باب العقائد. وما ذكره يعرب عن قصور باعه في مجال الحديث. فقد رواه من أئمّة الحديث أبو داود في سننه ، والتّرمذي في صحيحه ، وابن حنبل في مسنده ، وابن ماجة في صحيحه (١).
وليس حديث الشّفاعة الدالّ على شمولها لأصحاب الكبائر منحصراً به ، بل أحاديث الشّفاعة في هذا المجال متواترة ، وقد جمعنا ما رواه السنّة والشيعة في هذا المجال في كتابنا « مفاهيم القرآن » (٢).
__________________
١ ـ راجع سنن ابي داود ، ج ٤، ص ٢٣٦. وصحيح الترمذي ، ج ٤، ص ٤٥. وصحيح ابن ماجة ، ج ٢، ص ١٤٤. ومسند احمد ، ج ٣ ص ٢١٣.
٢ ـ لاحظ : ج ٤، فصل الشفاعة في الأحاديث الاسلاميّة ، ص ٢٨٩ ـ ٣١١. فتجد في تلك الصحائف ( ١١٢ ) حديثاً عن النبي وعترته. وقد قام العلامة المجلسي بجمع احاديث الشفاعة في موسوعته بحار الانوار ( ج ٨، ص ٢٩ ـ ٦٣ ) وروى بعضها الآخر في سائر أجزائه. كما روى علاء الدين المتقي احاديث الشفاعة في كنز العمال ج ١٤ص ٦٢٨ ـ ٦٤٠.