والمكفّر : الرّجل المتغطّي بسلاحه ، ويقال للزّارع : كافر ، لأنّه يغطي الحَبّ بتراب الأرض ، قال الله تعالى : ( كمثلِ غيث أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ) ( سورة الحديد ، الآية ٢٠ ). والكفر ضدّ الإيمان ، سمّي بذلك لأنّه تغطية الحقّ (١).
والمراد من الحبط هو : سقوط ثواب العمل الصالح المتقدَّم ، بالذّنوب المتأخّرة ، كما أنّ المراد من التّكفير هو سقوط الذّنوب المتقدَّمة ، بالطّاعة المتأخِّرة.
وبعبارة اُخرى : إنّ الاحباط في عرف المتكلّمين : عبارة عن إبطال الحسنة بعدم ترتّب ما يتوقّع منها عليها ، ويقابله التّكفير وهو : إسقاط السيّئة بعدم جريان مقتضاها عليها ، فهو في المعصية نقيض الاحباط في الطّاعة ولنقدّم الكلام في الإحباط أوّلاً.
المعروف عن المعتزلة هو القول بالإحباط ، كما أنّ المعروف عن الاماميّة والأشاعرة هو أنّه لا تحابط بين المعاصي والطّاعات والثّواب والعقاب (٢).
قال القاضي عبد الجبّار : « إنّ المكلّف لا يخلو إمّا أن تخلص طاعاته ومعاصيه ، أو يكون قد جمع بينهما ، فلا يخلو إمّا أن تتساوى طاعاته ومعاصيه ، أو يزيد أحدهما على الآخر ، فإنّه لا بدّ من أن يسقط الأقلّ بالأكثر .... وهذا هو القول بالإحباط والتّكفير على ما قاله المشايخ، وقد خالفنا في ذلك المرجئة ، وعبّادبن سليمان الصّيمري » (٣).
قال التفتازاني : « لا خلاف في أنّ من آمن بعد الكفر والمعاصي فهو من أهل الجنّة بمنزلة من لا معصية له ، ومن كفر بعد الإيمان والعمل الصّالح ، فهو من أهل النّار بمنزلة من لا حسنة له. وإنّما الكلام فيمن آمن وعمل صالحاً وآخر سيّئاً ، واستمرّ على
__________________
١ ـ المقاييس : ج ٥، مادة كفر ، ص ٩١.
٢ ـ أوائل المقالات : ص ٥٧.
٣ ـ الأصول الخمسة : ص ٦٢٤، وقد ذهب القاضي إلى عدم جواز استحقاق المكلّف الثواب والعقاب إذا كانا مساويين ، فانحصر الأمر في المطيع المحض والعاصي كذلك ومن خلط أحدهما بالآخر على وجه لا يتساويان ، وهذا القسم هو مورد نظريّة الإحباط والتكفير. فلاحظ.