إنّ تفسير الصفات الخبرية أوجد اختلافاً عميقاً بين المتكلّمين وجعلهم فرقاً متضادّة ، وبما أنّ أهل الحديث والأشاعرة من المثبتين لها ، اشتهروا بالصفاتيّة في مقابل المعتزلة الّذين يؤوِّلونها ولا يثبتونها بما يتبادر منها من ظواهرها ، ولأجل أن نقف على نظريّة الماتريديّة في هذا المقام ، ننقل كلام الامامين الأشعري والماتريدي ليعلم مدى الاختلاف بين المدرستين ، وإليك كلام الأشعري أوّلاً ، ثمّ كلام الماتريدي ثانياً :
أ ـ كلام الامام الأشعري :
إن قال قائل : ما تقولون في الاستواء؟ قيل له : نقول إنّ الله عزّ وجلّ يستوي على عرشه كما قال ، يليق به من غير طول الاستقرار كما قال : ( الرَّحمنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى ) ( طه / ٥ ) وقد قال اللّه عزّ وجلّ : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمَ الطَّيِّبُ ) ( فاطر / ١٠ ) وقال ( بَلْ رَفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ ) ( النساء / ١٥٨ ) وقال عزّ وجلّ : ( يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيهِ ) ( السجدة / ٥ ). وقال حكايةً عن فرعون : ( يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمواتِ فَأَطَّلِعُ إِلَى إِلهِ مُوسى وإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِباً ) ( غافر / ٣٦ ـ ٣٧ ) فكذّب فرعون نبيّ الله موسى عليهالسلام في قوله « إنّ الله عَزّ وجلّ فوق السماوات والأرض » وقال عزّ وجلّ : ( ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يخسِفَ بِكُمُ الأَرضَ ) ( الملك / ١٦ ) فالسماوات فوقها العرش، فلمّا كان العرش فوق السماوات قال : ( ءأمنتم من في السماء ) لأنّه مستو على العرش الّذي فوق السّماوات ، وكلّ ما علا فهو سماء ، فالعرش أعلى السماوات. وليس إذا قال : ( ءأمنتم من في السماء ) يعني جميع السماوات ، وإنّما أراد العرش الّذي هو أعلى السماوات. ألاترى أنّ الله عزّ وجلّ ذكر السماوات فقال : ( وجعل القمر فيهنّ نوراً ) ( نوح / ١٦ ) ولم يرد أنّ القمر يملأهنّ جميعاً ، وأنّه فيهنّ جميعاً ، ورأينا المسلمين جميعاً يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السّماء لأنّ الله مستو على