الغمّ عن نفسه. فإمّا فيما عدا هذا الموضع فلا يجب إلاّ شرعاً » وقال القاضي : « وهو الصّحيح من المذهب » (١).
يلاحظ عليه : أنّ أبا هاشم يصوّر حياة الفرد منقطعة عن سائر النّاس ، فلأجل ذلك أخذ يستثني صورة واحدة. ولو وقف على كيفيّة حياة الفرد في المجتمع لحكم على الكلّ بحكم واحد ، وذلك أنّ أعضاء المجتمع الواحد الّذين يعيشون في بيئة واحدة مشتركون في المصير ، فلو كان هناك خير لعمّ الجميع ولم يقتصر على فاعله ، ولو كان هناك شرّ يشمل الجميع أيضاً ولم يختصّ بمرتكبه ، ومن هنا يجب أن تحدّد تصرّفات الأفراد في المجتمع وتحدّد حرّياتهم بمصالح الأُمّة ولا تتخطّاها. ولأجل ذلك يشبّه النّبىُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وحدة المجتمع بركّاب سفينة في عرض البحر إذا تهدّدها خطر تهدّد الجميع ولم يختصّ بأحد دون أحد.
ولذلك لا يجوز لأحد ركّابها أن يثقب موضع قدمه ، بحجّة أنّه مكان يختصّ به ولا يرتبط بالآخرين ، لأنّ ضرر هذا العمل يعود إلى الجميع ولا يعود إليه خاصّة.
روى البخاري عن النّعمان بن بشير أنّه قال : سمعت عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « مثل القائم على حدود الله ، والواقع فيها ، كمثل قوم استهمّوا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها. فكان الّذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم فقالوا : لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا. فإن يتركوهم وما أرادوا ، هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً » (٢).
وروى الترمذي نظيره في سننه كتاب الفتن :
روى جعفر بن محمّد عن آبائه ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ المعصية إذا عمل بها العبد سرّاً لم تضرّ إلاّ عاملها فإذا عمل علانية ولم يغيّر عليه أضرّت بالعامّة » قال جعفر
__________________
١ ـ شرح الاصول الخمسة : ص ٧٤٢.
٢ ـ صحيح البخاري : ج ٣، باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه ، ص ١٣٩. المطبوع على النسخة الاميرية ، ورواه الجاحظ في البيان والتبيين ج ٢ ص ٤٩.