للفقيه الجامع للشّرائط (١).
وأمّا سائر مراتب الأمر بالمعروف من الإنكار بالقلب والتّذكير باللّفظ والعمل باليد فسيأتي البحث عنه في المسألة الخامسة.
نعم ، كان على القاضي أن يذكر خلاف الحنابلة والأشاعرة في مجابهة الظّالمومكافحته. قال إمام الحنابلة : « السّمع والطّاعة للأئمّة وأمير المؤمنين البرّ والفاجر ».
وقال الشيخ أبو جعفر الطّحاوي الحنفي : « ولا نرى الخروج على أئمّتنا ولاة أمرنا ، وإن جاروا ، ولا ندعو على أحد منهم ، ولا ننزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعات الله فريضة علينا ما لم يأمروا بمعصية » (٢).
وهؤلاء يرون إطاعة السّلطان الجائر ، مع أنّ النّبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « ومن أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر » (٣).
وروى أبوبكر أنّه سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « إنّ النَاس إذا رأوا الظّالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه » (٤).
ومع ذلك كلّه فقد نسي القاضي أن ينسب عدم وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر إلى هذه الجماهير ، ونسبه إلى الإماميّة وقد عرفت كيفيّة النسبة.
والمسألة من الوضوح بمكان لا تحتاج معه إلى تكثير المصادر.
وامّا الثانية ، فقد ذهب أبو عليّ الجبّائي إلى أنّ ذلك يعلم عقلاً. وقال ابنه أبو هاشم : « بل لا يعلم عقلا إلاّ في موضع واحد ، وهو أن يرى أحدنا غيره يظلم أحداً فيلحقه بذلك غم ، فإنّه يجب عليه النّهي ودفعه ، دفعاً لذلك الضرر الّذي لحقه من
__________________
١ ـ جواهر الكلام : ج ٢١، ص ١٣ ـ ١٤.
٢ ـ قد ذكرنا عبارات القوم في وجوب طاعة السلطان الظالم في الجزء الأول من كتابنا هذا. ٣. صحيح الترمذي ، ج ٤، كتاب الفتن ، الباب ١٤، ص ٤٧١، رقم الحديث ٢١٧٤. ٤. المصدر السابق ، الباب ٨، رقم الحديث ٢١٦٨.