فيكتفي فيه بالتّبليغ والانذار وغيرهما ممّا لا ينافي حريّة المكلّف في مجال التّكليف. وإلى ذلك يشير شيخنا الشّهيد الثاني بقوله : « لاستلزام القيام به على هذا الوجه ( من وجوبه قولاً وفعلاً ) الالجاء الممتنع في التّكليف ، ويجوز اختلاف الواجب باختلاف محالّه ، خصوصاً مع ظهور المانع ، فيكون الواجب في حقّه تعالى الانذار والتّخويف بالمخالفة لئلاّ يبطل التّكليف ، والمفروض أنّه قد فعل » (١).
وأمّا الثّالثة ، وهي شرائط وجوبهما ، فقد فصِّل فيه الكلام المتكلّمون والفقهاء فقالوا : شرائط الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ثلاثة :
الأوّل : علم فاعلهما بالمعروف والمنكر.
الثّاني : تجويز التّأثير ، فلو عرف أنّ أمره ونهيه لا يؤثّران لم يجبا.
الثّالث : انتفاء المفسدة ، فلو عرف أو غلب على ظنّه حصول مفسدة له أو لبعض إخوانه في أمره ونهيه سقط وجوبهما دفعاً للضرر (٢).
وهناك شروط أُخر لم يذكرها العلاّمة في كلامه. منها :
الرابع : تنجّز التّكليف في حقّ المأمور والمنهي ، فلو كان مضطرّاً إلى أكل الميتة لا تكون الحرمة في حقّه منجّزة ، فلا يكون فعله حراماً ولا منكراً ، وإن كان في حقّ الآمر والنّاهي منجّزاً.
وعلى كلّ تقدير فالشّرط الثّالث ـ أي عدم المفسدة ـ شرط في موارد خاصّة لا مطلقاً. فربّما يجب على الآمر والنّاهي تحمّل المضرّة وعدم ترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، كما إذا كان تركه لهما لغاية دفع المفسدة موجباً لخروج النّاس عن الدّين وتزلزلهم وغير ذلك ممّا أوضحنا حاله فى أبحاثنا الفقهيّة (٣).
وأمّا الرّابعة ، وهي كون وجوبهما عينيّاً أو كفائياً ، فالأكثر على أنّه كفائي ، لأنّ
____________
١ ـ الروضة البهية : ج ١، كتاب الجهاد ، الفصل الخامس ، ص ٢٦٢، الطبعة الحجرية.
٢ ـ كشف المراد : ص ٢٧١، ط صيدا.
٣ ـ لاحظ : رسالتنا الفقهية في التقية. فقد قلنا إنّ التقية ربّما تحرم إذا كان الفساد في تركها أوسع.