يلاحظ عليه : أنّ ابن قتيبة والبغدادي تفرّدا في نقل هذه النّقول والنسب ، وأمّا غيرهما من الأشاعرة فنزّهوا أقلامهم عن ذكرها ، ولو كانت لهذه النّسب مسحة من الحقّ أو لمسة من الصّدق لما تورّعوا عن ذكرها ، على أنّ من سبر كتاب « الفرق بين الفرق » للبغدادي يرى فيه قسوة عجيبة في حقّ الطّوائف الإسلاميّة لا سيّما المعتزلة.
وعلى ذلك ، فما أحسن قول القائل إذا تمثّل به في حقّ هذه الطائفة :
حسدوا الفتى إذ لم
ينالوا سعيه |
|
فالكلّ أعداء له
وخصوم |
كضرائر الحسناء
قلن لوجهها |
|
حسداً وبغياً إنّه
لدميم (١) |
( ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سَبَقُونا بالإيمان ) ( الحشر / ١٠ )
إنّ فكرة الاعتزال كانت فكرة بدائية ، ونبتة غرسها واصل بن عطاء في أوائل القرن الثّاني ، وأخذت تتكامل عن طريق تلاميذه وبعض زملائه كعمرو بن عبيد. وقد كان له تأثير في بدء ظهورها إلى أن استطاع أن يستجلب إليه بعض الخلفاء الأمويين المتأخّرين ، كيزيد بن وليد بن عبدالملك ( م ١٢٦ هـ ) ، ومروان بن محمّد بن مروان آخر خلفائهم ( م ١٣٢ هـ ) ، حيث اشتهر أنّ الأخير كان يقول بخلق القرآن ونفي القدر (٢).
ولمّا اندلعت نيران الثورات ضدّ الأمويين ، وقضت على خلافة تلك الطغمة الأثيمة ، لمع نجم المعتزلة في عصر أبي جعفر المنصور ( ١٣٦ ـ ١٥٨ هـ ) وقد عرفت في ترجمة عمرو بن عبيد وجود الصلة الوثيقة بينه وبين المنصور.
ولمّا هلك المنصور ، أخذ المهدي ابنه زمام الحكم ، ولم ير للمعتزلة في زمنه أيّ نشاط يذكر ، خصوصاً أنّ المهدي كان شديداً على أصحاب الأهواء ، حسب ما يقولون.
__________________
١ ـ الشعر لأبي الأسود الدؤلي صاحب الامام أمير المؤمنين عليهالسلام راجع ملحق ديوانه.
٢ ـ الكامل لابن الاثير : ج ٤، ص ٣٣٢ قال : « وكان مروان يلقب بالحمار ، والجعدي لأنّه تعلم من الجعد بن درهم مذهبه في القول بخلق القرآن والقدر وغير ذلك.