الصرح.
ثمّ إنّ نقد كلام الشّيخ وتفسير الآيات الّتي استدلّ بها على كونه سبحانه في العرش، يحتاج إلى بسط في الكلام ، وسوف نقوم بها عند عرض عقائد المعتزلة إن شاء الله.
إنّ الصفات المتشابهة الواردة في الكتاب والسنّة ، لا تتجاوز عن سبع عشرة ، منها اليمين ، والساق ، والأعين ، والجنب ، والإستواء ، والغضب ، والرضى ، والنور ، على ما ورد في الآيات ، والكفّ والاصبعان ، والقدم ، والنزول ، والضحك ، وصورة الرحمان ، على ما ورد في الأحاديث الّتي لم تثبت صحّة أسنادها ، وقد أرسلتها الحشويّة والحنابلة إرسال المسلّمات ، وعلى أيّ حال فنظريّة الأشاعرة في هذه الصفات هي الإثبات متدرعّة بلفظة « بلا كيف » ، أو « بلا تشبيه » أو ما يقرب ذلك.
ب ـ كلام الماتريدي :
ما ذكره أبو منصور في ( توحيده ) يعرب بوضوح عن كون منهجه هو التنزيه ظاهراً وباطناً ، فهو بعدما نقل الآراء المختلفة صار بصدد تفسير الآية ( الرَّحمنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى ) فقال : إنّ الله سبحانه كان ولا مكان ، وجائز ارتفاع الأمكنة ، وبقاؤه على ما كان ، فهو على ما كان ، وكان على ما عليه الآن. جلّ عن التغيّر والزوال ، والاستحالة والبطلان ، إذ ذلك أمارات الحدث الّتي بها عرف حدث العالم.
ثمّ ردّ على القائلين بكونه سبحانه على العرش، بأنّه ليس في الارتفاع إلى ما يعلو من مكان للجلوس أو القيام شرف ولا علو ، ولا وصف بالعظمة والكبرياء كمن يعلو السطوح والجبال أنّه لا يستحق الرفعة على من دونه عند استواء الجوهر ، فلا يجوز صرف تأويل الآية إليه مع ما فيها ذكر العظمة والجلال ، إذ ذكر في قوله تعالى : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمواتِ والأرْضَ ) ( الأعراف / ٥٤ ) فدلّك على تعظيم العرش (١).
__________________
١ ـ التوحيد : ص ٦٩ و٧٠.