ولأجل اختلاف المفسّرين في مفاد الآية ، التجأ هو إلى « تفويض معناها إلى الله » ، وقال : « وأمّا الأصل عندنا في ذلك أنّ الله تعالى قال : ( ليس كمثله شيء ) فنفى عن نفسه ، شبه خلقه ، وقد بيّنا أنّه في فعله وصفته متعال عن الأشباه ، فيجب القول بأنّ الرحمن على العرش استوى على ما جاء به التنزيل ، وثبت ذلك في العقل. ثمّ لا نقطع تأويله على شيء لاحتمال غيره ممّا ذكرنا » (١).
فالماتريدي ينفي بتاتاً كونه سبحانه على العرش، حتّى على النّحو اللائق به الّذي ملأ كتب الأشاعرة وينزّهه عن تلك الوصمة ، ولكن لّما كانت المعاني الأُخرى متساوية عنده ، لم يجزم بشيء منه ، وفوّض المراد إليه سبحانه ، ولأجل ذلك لخّص البياضي نظريّة الامام الماتريدي وقال : « ولا يؤوّل المتشابهات ويفوِّض علمها إلى الله مع التنزيه عن إرادة ظواهرها » (٢). ومراده من « المتشابهات » هوالصفات الخبريّة الواردة في الكتاب والسنّة.
وأمّا البزدوي ـ أحد أئمّة الماتريدية في القرن الخامس ـ فيظهر منه الجنوح إلى إمكان الوقوف على مقاصد الكتاب في هذه الصفات. قال في مسألة « أنّ الله لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء » : فإن قالوا قد وجد دلائل الاجسام فإنّه يوصف بالاتيان قال الله تعالى ( هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَل مِنَ الغَمَامِ ) ( البقرة / ٢١٠ ) وقال ( وجَاءَ رَبُّكَ والمَلِكُ صَفّاً صَفّاً ) ( الفجر / ٢٢ ) ويوصف بالاستواء على العرش قال الله تعالى ( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى العَرْشِ ) ( يونس / ٣ ). والاتيان والاستواء على المكان من صفات الجسم ، وكذلك يوصف بأنّ له أيدياً وأعيناً ، قال الله تعالى ( ممّا عَمِلَتْ أيْدِينا أنْعَاما ) ( يس / ٧١ ) ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) ( الطور / ٤٨ ) وهذا من أمارات الأجسام.
ثمّ أجاب عن كلّ واحد بأنّا نصفه بذلك كما وصف اللّه تعالى به نفسه وهو
__________________
١ ـ التوحيد : ص ٦٩ و٧٤.
٢ ـ اشارات المرام : ص ٥٤.