يقول الحافظ ابن كثير :
« وأمر الواثق بامتحان الأسارى الّذين فودوا من أسر الفرنج ، بالقول بخلق القرآن وأنّ الله لا يرى في الآخرة ، فمن أجاب إلى القول بخلق القرآن وأنّ الله لا يرى في الآخرة فودى وإلاّ ترك في أيدي الكفّار. وهذه بدعة صلعاء ، شنعاء ، عمياء ، صمّاء لا مستند لها من كتاب ولا سنّة ولا عقل صحيح » (١).
ولكن تحيّز ابن كثير للحنابلة وأصحاب القول بعدم خلق القرآن واضح في كتابه. فالاعتماد على ما ينقل من المحنة في حقِّ الحنابلة إن لم تؤيّده سائر الآثار مشكل ، وبما أنّ في الكتاب ، مغالاة في الفضائل ، ومحاولة لجعله اسطورة في التّأريخ بنقول مختلفة ، نكتفي بما يذكره الطبري في المقام.
يقول : « إنّ مالك بن هيثم الخزاعي كان أحد نقباء بني العبّاس ، وكان حفيده أحمد بن نصر بن مالك ، يغشاه أصحاب الحديث كيحيى بن معين وابن الدورقي وابن خيثمة ، وكان يظهر المباينة لمن يقول : القرآن مخلوق ، مع منزلة أبيه من السّلطان في دولة بني العبّاس ، ويبسط لسانه فيمن يقول ذلك مع غلظة الواثق على من يقول ذلك. فحرّك أصحاب الحديث وكلّ من ينكر القول بخلق القرآن أحمد بن نصر وحملوه على الحركة لانكار القول بخلق القرآن ، والغاية من هذه الحركة ، الثورة في بغداد على الخليفة الواثق ، وخلعه من الخلافة ، غير أنّ هذه المحاولة فشلت فأخذوا وحملوا إلى سامراء ، الّتي كانت مقرّاً للواثق ، فحضر القوم واجتمعوا عنده ، فلمّا اُتي بأحمد بن نصر قال له : ياأحمد ما تقول في القرآن؟ قال : كلام الله ، قال أفمخلوق هو؟ قال : هو كلام الله ، قال : فما تقول في ربِّك أتراه يوم القيامة؟ قال : يا أمير المؤمنين جاءت الآثار عن رسول الله أنّه قال : ترون ربّكم يوم القيامة كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته ، فنحن على الخبر.
فقال الواثق لمن حوله : ما تقولون فيه؟ فقال عبدالرحمان بن إسحاق : يا أمير
__________________
١ ـ البداية والنهاية : ج ١٠، ص ٣٠٧.