السجن ببغداد حتّى يصدر في شأنه أمر ، ثمّ سيق إلى المعتصم واتّخذت معه ذرايع الاغراء والارهاب ، فما أجدى في حمله ترغيب ولا ترهيب ، فلمّ ـ ا لم يجد القول رغباً ورهباً ، نفّذوا الوعيد فأخذوا يضربونه بالسياط ، المرّة بعد الأُخرى ، ولم يترك في كلِّ مرّة حتّى يغمى عليه وينخس بالسيف فلا يحسّ. فتكرّر ذلك مع حبسه نحواً من ثمانية وعشرين شهراً فلمّا استيأسوا منه وثارت في نفوسهم بعض نوازع الرّحمة أطلقوا سراحه وأعادوه إلى بيته وقد أثخنه الجراح وأثقله الضّرب المبرح المتوالي والالقاء في غيابات السِّجن » (١).
وليس لما ذكره أبو زهرة مصدر سوى « مناقب الامام أحمد بن حنبل » للحافظ أبي الفرج عبدالرّحمان بن الجوزي ومن تبعه مثل الحافظ ابن كثير في « البداية والنهاية » (٢).
والنّاظر في هذين الكتابين يرى تحيّزهما لأحمد بن حنبل وأنّهما يريدان نحت الفضائل له وعند ما قصرت أيديهما عنها لجأوا إلى المنامات ، فلا يمكن الاعتماد عليهما فيما يرويان من التّفاصيل في هذه المحنة. وقد عرفت التضارب في التاريخ بين قائل بأنّ أحمد رجع عن رأيه أثناء الضّرب كاليعقوبي ، وقائل بأنّه بقي على إنكاره.
محنة خلق القرآن والواثق
قضى المعتصم نحبه وخلفه ابنه الواثق ( ٢٢٣ ـ ٢٢٧ هـ ) (٣) وكان للمعتزلة في عصره قوّة وقدرة ونشاط وسيطرة.
قال اليعقوبي : « وامتحن الواثق النّاس في خلق القرآن فكتب إلى القضاة أن يفعلوا ذلك في سائر البلدان وأن لا يجيزوا إلاّ شهادة من قال بالتوحيد ، فحبس بهذا السبب عالماً كثيراً » (٤).
____________
١ ـ ابن حنبل ـ حياته وعصره ـ أبو زهرة ، ص ٦٥.
٢ ـ البداية والنهاية ، ج ١٠، ص ٢٣٠ الى ٣٤٣.
٣ ـ البداية والنهاية : ج ١٠، ص ٢٩٧.
٤ ـ تاريخ اليعقوبي : ج ٢، ص ٤٨٢.