وقال ابن كثير في حوادث سنة ( ٤٥٦ هـ ) ناقلاً عن ابن الجوزي : « وفي يوم الجمعة ثاني عشر شعبان هجم قوم من أصحاب عبدالصمد على أبي عليّ بن الوليد المدرس للمعتزلة فسبّوه وشتموه لامتناعه من الصلاة في الجامع وتدريسه للنّاس بهذا المذهب وأهانوه وجرّوه ولعنت المعتزلة في جامع المنصور وجلس أبو سعيد بن أبي عمامة وجعل يلعن المعتزلة » (١).
وقال في حوادث سنة ( ٤٧٧ هـ ) : « إنّ أبا عليّ بن الوليد شيخ المعتزلة كان مدرّساً لهم فأنكر أهل السنّة عليه فلزم بيته خمسين سنة إلى أن توفّي في ذي الحجّة منها ».
ويقول أيضاً في حوادث ( ٤٦١ هـ ) : « وفيها نقمت الحنابلة على الشيخ أبي الوفاء عليّ بن عقيل وهو من كبرائهم بتردّده إلى أبي عليّ بن الوليد المتكلّم المعتزلي واتّهموه بالاعتزال » (٢).
ويقول في حوادث سنة ( ٤٦٥ هـ ) : « وفي يوم الخميس حادي عشر المحرّم حضر إلى الديوان أبو الوفاء عليّ بن محمّد بن عقيل العقيلي الحنبلي وقد كتب على نفسه كتاباً يتضمّن توبته من الاعتزال » (٣).
وبذلك حقّق التّاريخ السنّة المعروفة « كما تدين تدان » وأخذت الطّائفتان ، الحنابلة والمعتزلة يتصارعان ويقتتلان قتال موت أو حياة ، فصارالانتصار لأصحاب الحديث ، والهلاك والاضطهاد للمعتزلة ، فلم يظهر بعد هذه القرون إلاّ آحاد ينجمون في الفينة بعد الفينة والفترة بعد الفترة لا تجد لهم ذكراً بارزاً في ثنايا التاريخ.
إنّ تكامل الأُمم وبلوغها الذّروة من العظمة ، ثمّ انحدارها إلى هاوية الضعف والانحلال سنّة إلهيّة قضى بها على جميع الأُمم ، فلم يكن ارتقاء المعتزلة بلا سبب ، كما أنّه لم يكن ضعفهم بلا علّة. فيجب على الباحث المتأمِّل في ثنايا القضايا التّاريخية تحليل هذه الظاهرة تحليلاً علميّاً يوافق الأُصول المسلّمة في تحليل هذه المباحث.
__________________
١ ـ البداية والنهاية : الجزء ١٢، ص ٩١.
٢ ـ المصدر نفسه : ص ٩٨ و١٠٥.
٣ ـ المصدر نفسه : ص ٩٨ و١٠٥.