وبذلك أخذ الدهر يقلب عليهم ظهر المجن ، تقلّب لجّة البحر بالسفن المشحونة والفلك المصنوعة ، بين بالغ إلى ساحل النّجاة وهالك في أمواج الدّهر. هذا هو القادر بالله أحد خلفاء العبّاسيين قام في سنة ( ٤٠٨ هـ ) بنفس العمل الّذي قامت به المعتزلة في عصر المعتصم والواثق. يقول الحافظ ابن كثير : « وفي سنة ( ٤٠٨ هـ ) ، استتاب القادر بالله الخليفة فقهاء المعتزلة فأظهروا الرّجوع وتبرّأوا من الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام ، وأخذت خطوطهم بذلك وأنّهم متى خالفوا أحلّ فيهم من النّكال والعقوبة ما يتّعظ به أمثالهم ، وامتثل محمود بن سبكتكين أمر أمير المؤمنين في ذلك واستنّ بسنّته في أعماله الّتي استخلفه عليها من بلاد خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيليّة والقرامطة والجهميّة والمشبّهة وصلبهم وحبسهم ونفاهم وأمر بلعنهم على المنابر وأبعد جميع طوائف أهل البدع ونفاهم عن ديارهم وصار ذلك سنّة في الإسلام » (١).
قال الخطيب : « وصنّف القادر بالله كتاباً في الأُصول ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب مذهب أصحاب الحديث وأورد في كتابه فضائل عمر بن عبدالعزيز وإكفار المعتزلة والقائلين بخلق القرآن وكان الكتاب يقرأ كلّ جمعة في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي ويحضر النّاس سماعه » (٢).
أقول : وهذا الكتاب هو المعروف « بالبيان القادري » وصار هذا الكتاب محوراً لتمييز الحقِّ عن الباطل والصّحيح عن الزّائف.
وقال ابن الجزري في حوادث سنة ( ٤٢٠ هـ ) : « ولمّا ملك محمود بن سبكتكين الري .. نفى المعتزلة إلى خراسان وأحرق كتب الفلسفة ومذاهب الاعتزال والنّجوم وأخذ من الكتب ما سوى ذلك مائة حمل » (٣).
__________________
١ ـ البداية والنهاية : ج١٢ ص٦.
٢ ـ تاريخ بغداد : ج ٤، ص ٣٧ و٣٨.
٣ ـ الكامل : ج ٧، حوادث سنة ٤٢٠.