وهذا بخلاف ما يقوله المعتزلة من خلود مرتكبي الكبائر في النّار إذا ماتوا بلا توبة. فكان لفكرة أهل الحديث جاذبيّة تضمّ العامّة إليهم وهذا بخلاف ما تقوله المعتزلة.
٤ ـ إنّ نجم المعتزلة أفل بعد الواثق عند ما تسنّم المتوكِّل منصّة الخلافة ، فعند ذلك صارت السلطة الحكوميّة سيفاً مصلتاً فوق رقابهم وشبحاً مرعباً يلاحقهم بعد ما كانت أداة طيّعة لهم ، والنّاس على دين ملوكهم وسلاطينهم ، ثمّ اشتدّ غضب الخلفاء عليهم على مرِّ الزمن ، فصار ذلك سبباً لذبح المعتزلة تحت كلّ حجر ومدر ، وقد استغلّ أهل الحديث والحنابلة غضب السّلطة على المعتزلة وقادوهم إلى الحدّ الّذي عرفت من النكاية.
٥ ـ إنّ المعتزلة قد اشتهروا بالقول بحريّة الفرد في أعماله وكانوا يدافعون عن حريّة الإنسان واحترام العقل ، وهذا لا يجتمع مع ما ارتكبوه في أيّام الخلفاء الثلاث ، فناقضوا بذلك أنفسهم وعارضوا تعاليمهم وأظهروا أنّهم لا يقدرون العقل حقّ قدره ، فإذا كانت الحريّة تفرض على المعتزلة أن يدينوا بخلق القرآن ، فهذا بنفسه يفرض عليهم أن لا يسوقوا النّاس بالجبر والحبس والضّرب على الاعتراف بخلق القرآن ، وغاية ما كان على المعتزلة تشكيل أندية الوعظ والارشاد والجدال الصحيح حتّى يتمّوا الحجّة على متحرّي الحقيقة أخذاً بقوله سبحانه : ( اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِين ) (١).
وأين هذا من الاصرار على تبديل السّرائر والحكومة على الضمائر وفرض العقيدة بالجبر والضّرب؟ « إنّ الحركة الفلسفيّة العلميّة الّتي بدأت تتقوّى وتنتشر بيد المعتزلة وأخذت تلقى أنصاراً وأعواناً ، لو تركت تسير في مجراها الطبيعي ، لاستطاعت أن تقضي على الرّوح الرجعية في الأُمّة على قوّتها وعنفها. ولكتب لها الفوز والنجاح ، ولكنّ
__________________
١ ـ سورة النحل / ١٢٥.