لأنّ خطّ الحنابلة خطّ الرواية عن التّابعين والصحابة والاقتفاء بهم من دون أن يقيموا للعقل وزناً ، وهذا على طرف النقيض من كتب الإمام الأشعري ( سوى الابانة ) وكتب أئمّة الأشاعرة ، فإنّها مشحونة بالاستدلال العقليّ على العقائد وإن كان لصالح آراء أهل الحديث.
وفي ضوء ذلك تقف على أنّ موضع المعتزلة من المجتمع السنّي موضع الرقعة من اللّباس ، فكانوا من أهل السنّة ويدّعون الانتماء إليهم ، غير أنّ أهل السنّة لا يقبلونهم وهذا وحده يكفي في سقوطهم من أعين العامّة وأوساط الناس.
٢ ـ كان لأصحاب الحديث ـ بما أنّهم حفظة السنّة وعلماء الدين ـ نفاذ عجيب في نفوس العامّة وكان ذلك كافياً في إثارة سخطهم على المعتزلة ، لأنّهم ما زالوا يذكرونهم على صهوات المنابر وأندية الوعظ والإرشاد بالالحاد ورفض السنّة ومخالفة الدين ، ولم تكن الوقيعة فيهم منحصرة بيوم أو شهر أو سنة ، بل امتدّت طوال قرون في العواصم الإسلاميّة حتّى أيقن بسطاء الأُمّة بل علماؤهم بأنّ الاعتزال خروج على الدّين باسم الدّين ومحو للسنّة باسم البرهنة بالعقل. وكفى هذا في إبعاد المعتزلة عن ساحة المجتمع وإسقاطهم عن أعين النّاس والهجوم عليهم وعلى أموالهم إذا أتيحت للنّاس الفرصة ووافقت عليه السّلطة الحاكمة.
٣ ـ إنّ المعتزلة كانوا يتبنّون عقائد تخدش عواطف العامّة بخلاف أهل الحديث ، فقد كانوا يتبنّون ما يوافق أفكارهم ومصالحهم في الدّنيا والآخرة ، فأهل الحديث كانوا يدّعون بأنّ شفاعة الشّافعين تعمّ العادل والفاسق وأنّ رسول الله ادّخرها للمذنبين من أُمّته ومثل هذا يوجب التفاف عامّة الناس حول رايتهم ، وهذا بخلاف ما يتبنّاه المعتزلة ، فإنّهم يقولون بأنّها لا تشمل إلاّ صلحاء الأُمّة ، والغرض منها رفع الدّرجة لاإمحاء الذّنوب. فأىُّ العقيدتين أولى بأن تتّبع عند عامّة النّاس؟
إنّ أهل الحديث يقولون بأنّ الخلود في النّار يختصّ بالكافر ، والمؤمن وإن كان فاسقاً لا يخلّد وإن مات بلا توبة.