فقال : « وقال قوم من العلماء : إنّ المؤثّر مجموع القدرة وقدرة العبد ، وهذا المذهب وسط بين الجبر والقدر ، وهو أقرب إلى الحقّ وإليه أشار ( أبوحنيفة ) بقوله كسبهم على الحقيقة والله خالقها » (١).
ويقول في فصل الخلافيّات بين جمهور الماتريديّة والأشاعرة : « واختيار العبد مؤثّر في الاتّصاف دون الإيجاد ، فالقدرتان المؤثِّرتان في محلّين وهو الكسب لا مقارنة الاختيار بلا تأثير أصلاً ، واختاره الباقلاّني كما في ( المواقف ، ) وهو مذهب السلف كما في الطريقة للمحقّق البركوي ، واختاره الاُستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني وإمام الحرمين في قوله الأخير : إنّ اختياره مؤثّر في الإيجاد بمعاونة قدرة اللّه تعالى ، فلا تجتمع القدرتان المؤثِّرتان بالاستقلال ، ولا يلزم تماثل القدرتين » (٢).
اتّفق المسلمون على إثبات صفات ذاتيّة للّه سبحانه مثل العلم ، والقدرة ، والحياة. ولكن اختلفوا في كيفيّة الإثبات ، فالإماميّة من العدليّة على أنّ صفاته سبحانه ليست زائدة على ذاته ، لا بمعنى سلبها عن ذاته ، كما هو القول المنسوب إلى الزّنادقة ، ولا بمعنى نيابة الذّات مناب الصِّفات ، ولم تكن واقعيّاتها متحقّقة في الذات ، بل بمعنى أنّها نفس العلم ، والقدرة ، والحياة ، لا أنّ لها العلم ، والقدرة ، والحياة ، فالصفات على القول الأوّل نفس الذّات وأنّه بلغ من الكمال والجمال رتبة صارت الذات نفس الانكشاف والاستطاعة ، كما أنّها على الثاني اُمور زائدة على الذّات قائمة معها ، قديمة كقدمها.
فالشيخ الأشعري يصرّ على النظريّة الثانية ، ويستدلّ عليها بوجوه طرحناها على
__________________
١ ـ اشارات المرام : ص ٢٥٦ و٢٥٧. لاحظ بقية كلامه ، فهو ينقل عن الامام الباقر عليهالسلام قوله : لا جبر ولاتفويض الخ.
٢ ـ اشارات المرام : ص ٥٥.