نحتمل تعلّقه بالجنس الواقعي في مثال الإنائين المعلومة نجاسة أحدهما فلا إشكال في أنّ شكّنا في نجاسة غير المضطرّ إليه بدوي يكون المرجع فيه أصالة البراءة سواء كان الاضطرار إلى أحدهما المعيّن أو إلى أحدهما غير المعيّن.
إن قلت : « إنّ الإضطرار إلى أحدهما غير المعيّن يجتمع مع التكليف الواقعي ولا مزاحمة بينهما لإمكان رفع الاضطرار بغير متعلّق التكلّف مع قطع النظر عن العلم والجهل الطارىء ، بل لولا الجهل بشخص متعلّق التكليف لكان يتعيّن رفع الإضطرار بغيره فالإضطرار إلى غير المعيّن قبل العلم بالتكليف كلاًّ اضطراراً ، لا يوجب التصرّف في الواقع ولا يصادم متعلّق التكليف ولا تقع المزاحمة بينهما » (١).
قلنا : إنّ رفع الاضطرار بالإناء الطاهر واقعاً يتوقّف على العلم بالنجس الواقعي بعينه وإمكان الجمع بين « إجتنب عن النجس » و « رفع ما اضطرّوا إليه » ، وهذا خارج عن محلّ البحث لأنّ محلّ البحث هو ما إذا كان الواقع مجهولاً واحتمل إنطباق ما يختاره على النجس الواقعي ، وحينئذٍ لا علم لنا بما يكون فعليّاً على كلّ تقدير ، بل المعلوم هو ما يكون فعلياً على تقدير ( وهو عدم تعلّق الاختيار بالنجس الواقعي ) وغير فعلي على تقدير آخر ( وهو تعلّق الاختيار بما هو طاهر واقعاً ) وتكون النتيجة حينئذٍ عدم العلم بحكم فعلي على كلّ تقدير ، فيصير المورد مجرى أصالة البراءة والحلّية.
هذا كلّه إذا طرأ الاضطرار قبل العلم الإجمالي ، وأمّا إذا حصل بعده فيجب الاحتياط مطلقاً أيضاً بالنسبة إلى غير المضطرّ إليه لتساقط الاصول المرخّصة الجارية في الأطراف قبل حصول الاضطرار بالتعارض أو عدم جريانها للتناقض في مدلولها ، فلا مجال لجريانها بعد حصوله لما ثبت في محلّه من عدم عموم أزماني لها فليس المراد من قوله صلىاللهعليهوآله « رفع عن امّتي ما لا يعلمون » مثلاً هو الرفع في كلّ ساعة وكلّ يوم ، وإلاّ يلزم جواز إعدام أحد أطراف العلم الإجمالي في الغنم الموطوءة مثلاً وإجراء الاصول المؤمنة في سائر الأطراف بلا معارض ، وكذلك كان الجائز أن يقول الإمام عليهالسلام في حديث الإهراق « يهرق أحدهما ويتوضأ من الآخر » بدل « يهريقهما » ونهايةً يلزم جواز اسقاط كلّ علم إجمالي عن الأثر وهو كما ترى ، فإذا
__________________
(١) راجع فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٩٨ ـ ٩٩ ، طبع جماعة المدرّسين.