ولو لم يسبق التعبّد بالاصول ، بل ولو مع عدم التعبّد بها رأساً (١).
أقول : في كلامه مواقع للنظر :
أوّلاً : أنّ الحكومة لها قسم واحد من دون فرق بين مواردها فإنّها واقعيّة في جميع الموارد ، وجميعها ترجع إلى التخصيص واقعاً وحقيقة ، غاية الأمر الدليل المحكوم قد يكون من الأحكام الواقعيّة ، وقد يكون من الأحكام الظاهريّة ، وهذا غير كون الحكومة ظاهرياً في بعض الموارد وواقعياً في بعض الموارد الاخرى ، وبعبارة اخرى : التخصيص واقعي وإن كان المخصّص أو المخصِّص ظاهرياً.
ثانياً : أنّ رتبة الدليل الحاكم والدليل المحكوم واحدة في جميع موارد الحكومة ، وإلاّ لم يكن توضيحاً وتفسيراً ، وأمّا في مورد الأمارات بالنسبة إلى الأحكام الواقعيّة فالصحيح أنّه لا معنى لحكومة الأمارات على الأحكام الواقعيّة ، بل إنّها طرق إلى الواقع ، وكما أنّ العلم طريق إليه تكويناً تكون الأمارات طرقاً إليه تشريعاً.
وثالثاً : أنّا نعترف بلغوية التعبّد بدليل الحاكم لولا سبق التعبّد بدليل المحكوم ، لأنّ الدليل الحاكم ناظر إلى الدليل المحكوم ومفسّر له ، ومن الواضح أنّه لا معنى للتفسير مع عدم سبق دليل بعنوان المفسّر ( بالفتح ) ، وهذا صادق حتّى بالنسبة إلى حكومة الأمارات على الاصول ، لما مرّ من أنّها ناظرة إليها ومفسّرة لها ولو في حدّ الدلالة الإلتزامية اللفظية.
ومن هنا يظهر حال الأمارات في مقابل الاصول وأنّ الصحيح كونها واردة عليها.
توضيح ذلك : يحتمل في وجه تقديم الأمارات على الاصول أربعة وجوه : حكومتها عليها ، ورودها عليها ، إمكان الجمع والتوفيق العرفي بينهما ، وتخصيص الاصول بالأمارات.
ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله هنا إلى الوجه الثالث ( التوفيق العرفي ) مع أنّه صرّح في أواخر الاستصحاب بالورود ، وأراد من التوفيق العرفي ما يقابل الحكومة.
ولكنّه في غير محلّه ، لأنّ المراد من الجمع العرفي إمّا كون الأمارات خاصّة بالنسبة إلى الاصول مطلقاً فقد مرّ عدم كونها كذلك ، أو أنّ أدلّتها أظهر من أدلّة الاصول ، ولا دليل عليه.
وبهذا ينتفي الوجه الثالث والرابع ، ويدور الأمر بين الحكومة والورود ، وقد مرّ أنّ الحقّ
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ٢ ، ص ٥٠٧ ، طبعة مؤسسة مطبوعات ديني.