__________________
من عكس. واستدلّ بهذا الخبر على جواز الانفراد بالعقد. ويرد عليه أنّ الحكم فيها بسقوط الولاية وقع منوطاً بمن ملكت نفسها ، فإدخال البكر فيها عين المتنازع وكذا قوله : « ولا المولّى عليها » ؛ فإنّ الخصم يدّعي كون البكر مولّى عليها فكيف يستدلّ به على زوال الولاية؟ وما قيل من أنّ البكر الرشيدة لمّا كانت غير المولّى عليها في المال صدق سلب الولاية عليها في الجملة ، فضعيف ؛ لأنّ الولاية أعمّ من المال ، ونفي الأخصّ لا يستلزم نفي الأعمّ.
وقال السيّد رحمهالله : والذي يظهر لي أنّ المراد بالمالكيّة نفسها غير المولّى عليها البكر التي لا أب لها والثيّب ». وراجع : نهاية المرام ، ج ١ ، ص ٧٢.
وفي هامش الوافي عن المحقّق الشعراني أنّه قال : « قوله : قد ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولّى عليها. قد ملكت نفسها ، أي ليس لها أب ، لأنّ المرأة البكر التي لها أب كأنّها مملوكة لأبيه ، وقد مرّ القرينة على هذا المعنى في الحواشي السابقة. و « غير السفيهة ولا المولّى عليها » أي التي لا يحجر عليها في الأموال بأن تكون بالغة رشيدة ؛ فإنّ نكاحها بغير وليّ جائز. يشير بذلك إلى خلاف أكثر العامّة ؛ فإنّ الشافعي ومالكاً وأتباعهما يشترطون الولاية في النكاح للنساء مطلقاً : البكر والثيّب والمولّى عليها في الأموال وغيرها ، وفي منهاج النووي ، وهو من مشاهير كتب الشافعيّة : لا تزوّج امرأة نفسها بإذن ولا غيرها بوكالة ، ولا تقبل نكاحاً لأحد ، والوطي في نكاح بلا وليّ يوجب مهر المثل لا الحدّ ، وقال شارحه : يوجب مهر المثل ؛ لعدم صحّة النكاح ، ولا يوجب الحدّ ؛ لشبهة اختلاف العلماء في صحّة النكاح. وقال أيضاً : أحقّ الأولياء أب ، ثمّ جدّ ، ثمّ أبوه ، ثمّ أخ لابوين أو لأب ، ثمّ ابنه وإن سفل ، ثمّ عمّ ، ثمّ سائر العصبة ، كالإرث ، ويقدّم أخ لأبوين على أخ لأب في الأظهر ، ولا يزوّج ابن بنوّة ، فإن كان ابن عمّ أو معتقاً أو قاضياً زوّج به ، فإن لم يوجد نسيب زوّج المعتق ، ثمّ عصبته ـ إلى أن قال ـ : فإن فقد المعتق وعصبته زوّج السلطان. انتهى. واختلف مالك والشافعي في ولاية الابن فقال مالك : الابن أولى بالولاية فيزوّج امّه وإن كان له أب ، وأنكر الشافعي ولاية البنوّة ، وبالجملة لا يرون للمرأة أن يتولّى أمر النكاح لنفسها أو لغيرها ، فإن لم يكن لها أب تولّى عقدها غير الأب ممّن ذكروه ، فإن لم يكن أحد من الأولياء وجب على المرأة عرض نفسها على الحاكم الشرعي ؛ ليزوّجه هو ، وفي كتاب المدوّنة للمالكيّة قال : ينخبون ، وقيل : إن كان الوليّ بعيداً لا ينتظر بالمرأة في النكاح إذا أرادت النكاح قبل قدومه ، فالسلطان الوليّ ، وينبغي للسلطان أن يفرّق بينهما ويعقد نكاحها إن أرادت عقداً مبتدأً ، ولا ينبغي أن يثبت على نكاح عقده غير وليّ في ذات الحال والقدر. انتهى.
إذا تبيّن ذلك ظهر لك أنّ العامّة كثيراً ما كانوا يفرّقون بين التصرّف المالي والنكاح ، فيجوّزون للنساء كلّ معاملة في مالها ولا يجوّزون لها تولّي النكاح ما دامت امرأة ، سواء كانت ثيِّباً أو بكراً لها أب ، أم لم يكن ووليّها أحد أنسابها على الترتيب إلى السلطان. وهذا الخبر ناظر إلى ردّهم ، وليس فيه إشارة إلى ما نحن فيه أصلاً ، فللمرأة عندنا أن يتولّى عقد النكاح لنفسها ولغيرها ، ولا يمنع من ذلك كونها امرأة إلاّفي صورة واحدة ، هي كونها بكراً