قَالَ (١) : وَأَكْثَرْتُ السُّؤَالَ عَنْ أَشْبَاهِ هذَا (٢) ، فَجَعَلَ يَقُولُ : « لَا بَأْسَ بِهِ » فَقُلْتُ (٣) لَهُ (٤) : أَصْلَحَكَ اللهُ ـ اسْتِحْيَاءً (٥) مِنْ كَثْرَةِ مَا سَأَلْتُهُ (٦) ، وَقَوْلِهِ : « لَا بَأْسَ بِهِ (٧) » ـ إِنَّ مَنْ
__________________
(١) في « بف » والوسائل ، ح ٢٣٥٤١ : ـ « قال ».
(٢) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي والوسائل ، ح ٢٣٥٤١ والتهذيب. وفي المطبوع : « هذه ». وقال المحقّق الشعراني في هامش الوافي : « قوله : وأكثرت السؤال عن أشباه هذا ، وجه الشبه في هذه المسائل التي سئل عنها كونُ المبيع في معرض النموّ والزيادة ، فيعرض لسببه الغرر في الزيادة والنقصان ، وقد سأل الراوي عن كثير ممّا يدخل الغرر فيه لذلك ، وكان فقهاء عصره يبحثون عنه ويختلفون فيه.
بيان ذلك أنّ الأمتعة الجوامد يعرف صفاتها بالرؤية ويرتفع الجهل بها فعلاً ، وأمّا الثمار والزروع فماليّتها بما يؤول إليه بعد مدّة ، ولا يرغب فيها لصفاتها الموجودة فعلاً ، فمن باع الثمرة المدركة قبل الإدراك فقد باع شيئاً غير موجود ، فلعلّه يوجد ولعلّه يدركه الآفات ، وهو غرر نهي في الشرع عن أمثاله ، كبيع الملاقيح والمضامين ، أي الموجودة في أصلاب الآباء وأرحام الامّهات ، نعم لو كانت الثمرة غير الناضجة ممّا يؤكل في حالته الموجودة ، كالقثّاء يؤكل كلّما كان صغيراً ، أو الحصرم والبسر والرطبة ، وكان الغرض من بيعها منافعها الموجودة فعلاً حين عدم الإدراك ، وبيعت بشرط القطع والجذاذ ، لم يكن فيه غرر ، ولم يعقل أن يشترط فيه بدوّ الصلاح ، فيجوز بيع الحصرم على الكرم إن كان الغرض منه القطع ؛ لأن يعصر منه ماء الحصرم ، وليس فيه غرر ، أمّا إن اريد بيعه ليبقيه حتّى يصير عنباً ، فإنّه اشترى في الحقيقة عنباً غير موجود ، وهو غرر ؛ لأنّه في معرض الخطر والآفة ، فما سأله الراوي عنها كان جميعاً ممّا يباع ، وهو في معرض النموّ والزيادة والنقصان. وقد اختلف فقهاؤهم في هذه المسائل بعد اتّفاقهم على عدم جواز البيع قبل وجود الثمرة ، فمذهب الكوفيّين منهم كأبي حنيفة جواز بيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح بعد الوجود ، لكن يجب القطع فوراً عند أبي حنيفة دون سائر أهل العراق ، ومذهب أهل الحجاز ، كمالك عدم جوازه أصلاً حتّى تزهو الثمرة ، واختلف فقهاؤنا أيضاً. والظاهر عدم الخلاف في جوازه بشرط القطع ؛ لأنّ العلاّمة رحمهالله جعل في المختلف محلّ الكلام ما إذا باع بشرط التبقية أو مطلقاً ، ولزم منه أن يكون بشرط الجذاذ غير مختلف فيه.
وأمّا هذا الخبر فإن صحَّ العمل به يدلّ على جواز ثمر النخيل قبل الوجود ، وهو ممّا لم يقل به أحد ، فيجب حمله على ظهور شيء يفيد ، كالبسر.
والحقّ أنّه لا غرر في الثمار بعد الظهور وتناثر الورد ؛ فإنّه يعلم مقدارها ، وأمّا نموّها إلى أن يدرك فعادة الله جرت به ولا خطر فيه ، وأمّا الآفات فسيأتي أنّه لا يحصل بها الغرر ». وراجع : مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ١٩٥.
(٣) في « بخ ، بف » والوافي : « قلت ».
(٤) في « ط ، بخ ، بف » والوافي والوسائل ، ح ٢٣٥١١ والتهذيب : ـ « له ».
(٥) في « بخ ، بف » : « أستحي ».
(٦) في « بخ ، بف » : « السؤال » بدل « ما سألته ».
(٧) في « بخ ، بف » والوافي : ـ « به ». وفي التهذيب : ـ « استحياء من كثرة ـ إلى ـ لا بأس به ».