ومن ذلك قولهم : (هذا ولا زعماتك) أي : هذا هو الحقّ ولا أتوهّم زعماتك ، قال ابن يعيش : ولا يجوز ظهور هذا العامل الذي قبله أتوهم لأنه جرى أتوهم مثلا ، والأمثال لا تغير وظهور عامله ضرب من التغيير.
ومثله : قولهم (كليهما وتمرا) (١) أي : أعطني ، (وامرؤا ونفسه) أي : دعه ، (وأهلك واللّيل) (٢) أي : بادرهم ، و (كلّ شيء ولا شتيمة حرّ) أي : إيت كلّ شيء ولا ترتكب شتيمة حرّ (٣).
قال ابن يعيش : ولم تظهر الأفعال في هذه الأشياء كلّها لأنها أمثال.
وقال ابن السراج في (الأصول) (٤) : نعم وبئس وحبّذا جعلت كالأمثال لا ينبغي أن نستجيز فيها إلا ما أجازوه.
وقال الزجاجي (في الإيضاح) (٥) : وأمّا القول في إضافة ذي إلى الفعل في قولهم (اذهب بذي تسلم) فإن هذه اللفظة جرت في كلامهم كالمثل.
قال الأصمعي : تقول العرب (اذهب بذي تسلم) والمعنى : اذهب والله يسلمك دعاء له بالسلامة ، واذهبا بذي تسلمان. والمعنى : اذهبا والله يسلمكما ، واذهبوا بذي تسلمون ، والمعنى والله يسلمكم. وإذا كانت هذه الكلمة جارية مجرى المثل فإن الأمثال تحتمل ما لا يحتمل غيرها وتزال كثيرا عن القياس ، كذلك مجراها في كلامهم ، واحتمل ذلك فيها لقلة دورها في الكلام.
الإيجاب
الإيجاب أصل لغيره من النفي والنهي والاستفهام وغيرها تقول مثلا : قام زيد ، ثم تقول في النفي : ما قام زيد ، وفي الاستفهام : أقام زيد؟ وفي النهي : لا تقم ، وفي الأمر : قم ، فترى الإيجاب يتركّب من مسند ومسند إليه ، وغيره يحتاج إلى دلالة في التركيب على ذلك الغير ، وكلما كان فرعا احتاج إلى ما يدلّ به عليه كما احتاج التعريف إلى علامة من (أل) ونحوها ، لأنه فرع التنكير ، والتأنيث إلى علامة من تاء أو ألف لأنه فرع التذكير ، ذكره أبو حنّان في (شرح التسهيل).
__________________
(١) انظر مجمع الأمثال (٢ / ١٥١) ، ونهاية الأرب (٣ / ٤٨) ، وفصل المقال (١١٠).
(٢) انظر مجمع الأمثال (١ / ٥٢) ، والخصائص (١ / ٢٧٩).
(٣) انظر شرح المفصّل (٢ / ٢٦).
(٤) انظر الأصول (١ / ١٤١).
(٥) انظر إيضاح علل النحو (١١٧).